ولعل التغير الجوهري الذي يطرأ على الطفل في هذا الطور أنه يستطيع التفكير باستخدام المعلومات التي يدركها إدراكًا مباشرًا، كما يصبح أكثر مرونةً في استخدام هذه المعلومات, فعلى عكس طور ما قبل العمليات الذي يعتمد فيه الطفل في حَلِّ المشكلات على خاصية واحدة في الشيء المدرك, نجده يصبح الآن قادرًا على أن يحوّلَ انتباهه من خاصيةٍ إدركيةٍ في الشيء الذي يدركه إلى خاصية أخرى، بل قد يتعامل مع عدة خصائص في وقت واحد، ويترتب على ذلك قدرة الطفل على تجميع ملاحظات وعمليات عديدة في مفهوم واحد, متجاوزًا بذلك الحاجة إلى المعالجة الفيزيائية للتحول من حالة لأخرى. إن الطفل في هذه المرحلة يبدأ في الانتباه إلى ما هو مهم, وتجاهل ما هو غير مرتبط أو منبت الصلة, وبالتالي يميز السمات والخصائص الجوهرية لتجميع الشياء تجميعًا منطقيًّا في فئات فيما يسمى تكوين المفاهيم Concep Formition. ويؤدي التحرر من كلٍّ من التمركز حول الذات والمركزية في الإدراك في زيادة المرونة في التفكير، كما تزداد القدرة على بناء فئات فرعية, وكذلك الوصول إلى تصنيفات متعددة منفصلة أو متداخلة أو هرمية. ومن أهم خصائص تفكير الأطفال في هذه المرحلة, ما أشرنا إليه من التحرر من التركيز على خاصية واحدة, أو بُعْدٍ واحدٍ في الشيء أو الحدث, وهذه العملية تسمى اللا تمركز decentration, وتبدأ بالفعل قبل ظهور التفكير باستخدام العمليات المحسوسة, ثم تصبح أكثر عمومية وشيوعًا في الاستخدام مع مشكلات أكثر تعقدًا خلال طور التمييز.
أما الإنجاز العرفي الهام الآخر الذي يظهر في هذا الطور, فيتمثل في قدرة الطفل على قلب أو عكس عمليات تفكيره, ومثال ذلك: أن الطفل يستطيع أن يجري ذهنيًّا عمليات قلب أو عكس مكاني حين يحاول وضع فردة الحذاء اليمنى في القدم الأيمن لشخص آخر بالمقارنة بقدمه, وتسمى هذه العملية "المقلوبية" Reversibiliy"، وتعتمد على عملية أساسية أخرى هي عملية التعدي Transitivity, أو ما يسميه بياجيه: الاستدلال التحويلي Transformational Reasoning, فحالما يستطيع الطفل أن يبدأ تفكيره من نقطة معينة "أ", ويفهم جميع الخطوات التي تؤدي إلى نقطة أخر "ب", فإنه يستطيع أيضًا أن يمتد بهذا المسار إلى نقطة ثالثة "جـ", وهذه العملية تظهر في طفل المرحلة الابتدائية في صورة تعدي لخاصية التساوي من نوع أ=ب، ب=جـ, إذن: أ=جـ, وهي عملية أساسية في التفكير المنطقي.
ونعود إلى خاصية المقلوبية, فحالما يستطيع الطفل القيام بعملية التعدي