للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب]

[مدخل]

...

تمهيد للباب الرابع: أهمية أطوار المراهقة والشباب

يُعَدُّ تخصيص مرحلة خاصة في النموّ الإنساني تسمى مرحلة المراهقة والشباب اختراعًا اجتماعيًّا ولغويًّا حديث العهد, فمنذ عهد قريب كان التوحيد بين البلوغ الجنسي والرشد شائعًا, إلّا أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وظهور تغيرات اجتماعية وثقافية عديدة في المجتمع الحديث, تَطَلَّبَ الأمر تناول مرحلة خاصة للنمو الإنساني بين هذين الحدثين، نقصد: البلوغ الجنسي والرشد, ويعود الفضل إلى ج. ستانلي هول مؤسس علم نفس النمو في اقتراح المصطلح الذي يدل على هذه المرحلة, وهو Adolescence١ في اللغة الإنجليزية. وأجرى بحوثه المبكرة في مجال النموّ في هذه المرحلة بالفعل, ونشرها في كتابٍ شهير من مجلدين عام ١٨٩١, وشاعت أفكاره حول طبيعة المراهقة, وظلت مسيطرة على الميدان لفترة طويلة من الزمن.

لقد اعتمدت أفكار ستانلي هول -كما بينا في الفصل الثاني- على نظرية التطور لداروين وخاصة مفهوم "التلخيص", والذي يعني أن الأفراد يمرون خلال مراحل النمو ما يعكس التطور الاجتماعي للجنس البشري, والنمو من الميلاد إلى النضج يتبع نمط النمو الاجتماعي من البدائية إلى التحضر, وفي هذا السياق تكون المراهقة -في رأيه- مرحلة "الضغوط والعواصف" التي تعكس خصائص مراحل الانتقال المضطربة في تطور المجتمعات البشرية, وفي رأيه أن البيئةَ لا تؤثِّرُ في الميكانيزمات ذات الطبيعة البيولوجية, والتي تتحكم في التغيرات التي تحدث في المراهقة, وهو الرأي الذي تحدّاه أصحاب وجهة النظر البيئية, وأكدت بحوثهم أن المراهقين في الثقافات المختلفة يتعرضون لخبرات مختلفة، ولعل أشهر هذه البحوث ما قامت به عالمة الأنثروبولوجيا مارجريت ميد, ففي بعض المجتمعات يعزى للأطفال بعض أدوار الراشدين, وفيها يتحدد الرشد بالبلوغ الجنسي, ولهذا يرى البعض أن مفهوم المراهقة بمعناه وخصائصه وحدوده الزمنية صنعته ظروف المجتمع الصناعي الحديث بتعقده وتركيبه, ولا ندري ماذا سيحدث في المستقبل في المجتمعات التي يطلق عليها توفلر مجتمعات "الموجة الثالثة" في عصر ما بعد


١ الأصل اللغوي لهذه الكلمة هو الفعل اللاتيني Adolesscere, ومعناه: "أن ينمو" أو "يتحول إلى النضج".

<<  <   >  >>