للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حكمة الشيوخ]

[مدخل]

...

[حكمة الشيوخ]

على الرغم من أنه من الواضح أن عددًا من مكونات تجهيز المعلومات والذكاء يتدهور، أو على الأقل لا يكون متاحًا للاستخدام في مرحلة الشيخوخة، إلّا أن هذا لا يقودنا إلى نظرة متشائمة نحو التقدم في السن, وقد أشرنا فيما سبق إلى أن المسنين يظلون على درجة من المرونة العقلية, ويظهرون قدرة على إعادة التدريب المعرفي, أضف إلى ذلك أنه حين تكون المهارات العقلية جيدة الممارسة فإنه لا يوجد إلّا أدلة قليلة على حدوث تدهور عقلي ملحوظ فيها مع التقدم في العمر.

ومما يقال كثيرًا: إن الإنسان مع تقدمه في السن تعوّض الخبرة وسعة المعلومات التدهور الحتمي في الوظائف العقلية والجسمية, وهذا المكوّن الإيجابي في النمو المعرفي يرتبط بما يسميه الباحثون "الحكمة" Wisdon، والتي تشير إلى خصائص معينة مثل: الحدس والاستبطان والخبرة والتكامل العقلي والتعاطف ورشد القرار والفهم والصبر واللطف "Brodzinsky, el al., ١٩٨٦", وهي خصائص مرتبطة بالتقدم في السن، وهي أكثر شيوعًا لدى المسنين، وعادة يخلعها عليهم من هم أصغر سنًّا، على الرغم من أن المسنين أنفسهم نادرًا ما يربطون بين الخبرة والتقدم في السن من ناحيةٍ, وبين الحكمة من ناحيةٍ أخرى.

وتوجد خاصية أخرى ترتبط غالبًا بالشخص الحكيم, وهي أنه يقوم بدور مورد المعلومات والنصيحة والمشورة للأشخاص الآخرين, وبالطبع فإن الشخص المسن بحكم ما تراكم لديه من مخزون كبير من المعرفة عبر السنين, يكون في موقع فريد لأداء هذه المهمة, ويرى بعض الباحثين "Mergler & Goldstein ١٩٨٣" أن التغيرات الفسيولوجية والمعرفية التي تصاحب الشيخوخة تلائم إلى حَدٍّ كبير نمو النقل الشفوي للمعلومات؛ فالطريقة التي ينظم بها المسنون المعلومات وخاصةً المعلومات القصصية، وطريقة عرضها على المستمعين، تؤدي إلى نظام للعرض أكثر فعالية من الطريقة التي تعرض بها نفس المعلومات بواسطة راشدين أصغر سنًّا؛ فالمسنون يدركهم المستمعون إليهم على أنهم أكثر موثوقية وصدقًا، وبالتالي يكون أثر رسائلهم في الآخرين "وخاصة المستمعين" كبيرًا, وفي كثير من الثقافات يكون للمسنين مكانة عالية كرواة القصص. وهكذا فإنه من منظور الحياة اليومية يمكن القول أن النشاط المعرفي للمسنين أوسع نظامًا وأكثر عمقًا من أن يكون مجرد استدلالٍ صوريٍّ أو محض حلٍّ للمشكلة، أو تطبيق لأساليب التفكير.

<<  <   >  >>