للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النمو الاجتماعي]

لعل من أهم مطالب النموّ في مرحلة المراهقة تحقيق التكيف الاجتماعي, ولا شكَّ أن المراهق الذي تَتَكَوّنُ لديه قاعدة هذا التكيف خلال أطوار الطفولة, سوف يواجه المطالب الاجتماعية الجديدة بتكيفٍ ناجح, وبعض المراهقين يفشلون في تحقيق هذه المطالب, فيتوقفون عن المحاولة, وينكصون على أعقباهم إلى صور العلاقات الاجتماعية التي كانوا يمارسونها في مرحلة الطفولة، أو تصدر عنهم صور تعويضية من السلوك تحل محل السلوك الاجتماعي المعتاد.

ولعل أكثر صور التوافق الجديد أهميةً لدى المراهق الصغير، وأكثرها صعوبةً في نفس الوقت، ما يجب عليه أن يفعله إزاء الأثر المتزايد لجماعة الأقران، بالإضافة إلى الجماعات الاجتماعية الجديدة التي تظهر الحاجة إليها في هذه المرحلة، وأنماط السلوك الاجتماعي الجديد التي لم تكن شائعة في المراحل السابقة.

فمع اقتراب الطفل من نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة المراهقة, يزداد بُعْدُ الفرد عن الأبوين والمنزل إلى حَدٍّ كبيرٍ, ومعظم الوقت الذي يقضيه خارج المنزل "وهو أكثر مما يقضيه داخل المنزل" يكون مع جماعة الأقران, وهذا يعني بالضرورة أن هذه الجماعة لها أثر بالغ في اتجاهات المراهق الصغير وميوله وقيمه وسلوكه قد يفوق أثر الأسرة, إلّا أن هذا ليس قاعدة عامة, فتحديد الأثر النسبي لكلٍّ من الأسرة وجماعة الأقران يعتمد إلى حَدٍّ كبير على نظرة المراهق إلى كفاءةٍ كلٍّ منهما في توجيه سلوكه, فحين تكون مشكلاته مرتبطة بالحياة على وجه العموم, نجد المراهق الصغير يتوجه إلى والديه، أما إذا كانت هذه المشكلات مرتبطة بالمواقف الراهنة والخاصة, يلجأ إلى جمعة الأقران, وبصفة عامة يمكن القول أن مراهقي الحضر أكثر تأثرًا بجماعة الأقران، وأن مراهقي الريف أكثر تأثرًا بالأسرة, ويزداد أثر جماعة الأقران حدَّةً مع زيادة رغبة المراهق بالنمط السلوكي الذي تحدده الجماعة؛ فحين يكتشف المراهق الصغير مثلًا أن تفوقه الدارسي يجعله "مختلفًا" عن أعضاء الجماعة, فإنه يصبح أقل شغفًا بالحصول على تقديرات عالية في الامتحانات, ويفضِّلُ أن يكون "واحدًا من القطيع", بل إن البعض يبالغ في تصرفاته التزامًا بمعيار الجماعة حتى يتخلص من الصورة التي كانت له عند الآخرين حينما كان طفلًا، أي: صورة "الطفل الطيب المؤدب".

ولعل من أخطر مصادر المشكلات للمراهق الصغير تفضيله لمعايير جماعة

<<  <   >  >>