أولًا: التدهور في القدرات العقلية
من المعتاد أن يبدأ تدهور القدرات العقلية في مرحلة منتصف العمر "التي وصفناها في الباب السابق"، ويستمر بعد ذلك، وكما هو الحال في كل صور التدهور الجسمي والسلوكي في مرحلة الشيخوخة, توجد اختلافات فردية واسعة في العمر الذي يبدأ عنده التدهور العقلي، ولا يوجد عمر واحد ثابت يبدأ عنده هذا التدهور عند الجميع، كما لا يوجد نمط عام لهذا التدهور نجده في جميع المسنين أيضًا ويتحكم في هذه الفروق الفردية التي عرضناها توًّا, إلّا أننا بصفة عامة نقول -كما قلنا من قبل: إن معدل هذا التدهور يكون أقل لدى ذوي القدرات العقلية العليا من ناحيةٍ, ولدى أولئك الذين يواصلون نشاطهم العقلي في العمر الثالث من حياتهم من ناحيةٍ أخرى.
ويعتمد معدل التدهور العقلي إلى حدٍّ كبير على الظروف الجسمية والصحية للإنسان, كما أن نقصان الاستثارة البيئية يترك آثاره في الإسراع بمعدل هذا التدهور, كما تؤكد الدراسات أن المسنين الذين يستمرون في أداء عملٍ ما, تظل وظائف المخ لديهم في حالة نشاط، وبالتالي يؤدون أداءً جيدًا في اختبارات الذكاء. ولعلنا ننبه هنا إلى أن الأنشطة العقلية التي تعتمد على عنصري الزمن والسرعة تعتبر غير ملائمة للمسنين، وهو مبدأ يتفق مع ما ذكرناه آنفًا عن البطء النسبي في سلوك المسن وحركاته.
الذكاء العام والإستدلال:
تؤكد البحوث التي أجريت على الذكاء العام أن الكفاءة العقلية العامة للمرء تظل ثابتة نسبيًّا حتى أوائل الخمسينات, ثم تبدأ في التدهور ببطء مع تقدم الإنسان نحو سن الستين, ومن تحليل القدرات العقلية المختلفة المتضمنة في اختبارات الذكاء التي تطبَّقُ على المسنين, وُجِدَ أن أوضح صور التدهور تظهر في الاختبارات التي تتطلَّبُ التعلُّم وإدراك علاقات جديدة، وتكون أقل ما تكون في اختبارات المعلومات العامة واستخدام الأعداد والمفردات اللغوية, ويفسر ذلك بأنه في المهامِّ التي تتطلّب من المسنِّ نوعًا من التعليم الجديد؛ فإنه يكون أكثر حذرًا, ويتطلّب وقتًا أطول ليحدث التكامل بين استجاباته، ويكون أقل قدرة على التعامل مع المواد الجديدة التي لا تتكامل مع خبراته السابقة.
ومع زيادة تركيب العمل وتعقده يحتاج المسنون إلى وقت أطول لأدائه، ومع ذلك يكونون أقل دقة "كما يتمثّل ذلك في زيادة عدد الأخطاء"، ويزداد عندهم الخلط الذي يعوق تنظيم موضوع التعلُّم على نحوٍ له معنى.
وتتدهور القدرة على الاستدلال بمعدَّلٍ أسرع من القدرات اللغوية والعددية, وهذا التدهور يظهر في كلٍّ من الاستقراء والاستنباط على حَدٍّ سواء, ويفتقد المسنون تدريجيًّا القدرة على التفكير المستقل والتفكير الابتكاري, ويظهرون قدرةً محدودةً على أداء الأعمال المجردة.
ومن الدراسات الهامة التي أجريت على الاستدلال المنطقي تلك التي قام بها "Papalia, ١٩٧٢", والتي عرض فيها على عينات من المفحوصين تمتد أعمارهم