يتأثر اتجاه المتعلِّم الراشد نحو ذاته بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي ينتمي إليه، فأعلى نسبة تسرب في مختلف مراحل التعليم ومستوياته توجد بين أبناء الطبقات الاقتصادية الدنيا، وأسباب هذه الظاهرة مركبة، فالبيت الذي لا تتوافر فيه الكتب، بل ولا تُقَدَّرُ فيه، والآباء الذين يدركون المدرسة شيئًا بعيدًا عن اهتماماتهم أو مجالات حياتهم، أو ينظرون إليها نظرة العداء، والأسرة التي لا تستطيع الإنفاق على تعليم الأبناء, وخاصةً مع نظامٍ تعليميٍّ يفترض المجانية, ومع ذلك تستشري فيه الدروس الخصوصية, وترتفع فيه أسعار الكتب, وتستعصي فيه ظروف المعيشة، فإن المتعلمين في مثل هذه الظروف يتسربون مبكرين -ربما في سن الطفولة-ويدخلون سوق العمل "راجع ما ذكرناه عن عمالة الأطفال"، ويمارسون أعمالًا قد لا تتطلَّب منهم توظيف قدراتهم الحقيقية.
ولا شكَّ أن في أنماط الشخصية التي تتشكَّل في الطفولة, والتي تسهم في تحديدها الأوضاع التربوية المبكرة, والظروف الاقتصادية والاجتماعية تؤدي في النهاية إلى تكوين اتجاهٍ لدى أبناء الطبقات الاجتماعية الدنيا بأن التعليم ليس لهم، ويظل الواحد منهم يقاوم التعليم طوال حياته حتى بعد أن يصير راشدًا، بل يقاوم هذا التعليم حتى في صورته الأساسية "لمحو الأمية مثلًا", وحين يتعلم فيما بعد -راغبًا أو راغمًا- قد يشعر بعبث التعلُّم وخاصةً حين يكتشف أن هذا التعليم يتضمن -صراحةً أو ضمنًا- قيم واتجاهات وأهداف طبقة لا ينتمي إليها.
أما أولئك الراشدون الذين كانوا أبعد حظًّا في طفولتهم، فنشأوا في ظروف اقتصادية اجتماعية أفضل، أو حصلوا على خبرات سابقة أكثر, يستحضرون معهم في مواقف تعلمهم في الرشد توقعات معينة عن المعلمين وعن الطرق التي يستخدمونها, فهم يتوقعون أن يكون المعلم قريب الشبه -وليس صورة طبق الأصل- من معلِّم الطفولة أو المراهقة عندما كانو في المدرسة، على الرغم من توقُّع بعض التغيُّر في صورته, نتيجة صيرورتهم إلى الرشد, ولذلك قد ينشأ لديهم بعض الخلط حين يهيئ المعلم لهم جوَّ التسامح والحرية الذي لم يتعوده من قبل في مواقف التعلم، وقد يفسر لنا ذلك الفوضى ومشكلات النظام التي يواجهها معلمو الراشدين داخل فصولهم, على نحوٍ أشبه بمشكلات النظام في فصول الأطفال والمراهقين, كما يتوقعون أن تكون طرق التعليم مشابهة لما كان يُسْتَخْدَمُ معهم