توجد أدلة تجريبية على أن تغيرات النمو تحدث بطريقة منتظمة، على الأقل في الظروف البيئية العادية, ومن هذه الأدلة ما يتوافر من دراسة الأطفال المبتسرين "الذين يولدون بعد فترة حمل تقل عن ٣٨ أسبوعًا", والذين يوضع الواحد منهم في محضن يتشابه مع بيئة الرحم لاكتمال نموه كجنين، فقد لوحظ أنهم ينمون بيولوجيًّا وفسيولوجيًّا وعصبيًّا بنفس معدل نمو الأجنة الذين يبقون في الرحم نفس الفترة الزمنية.
وتحدث تغيرات منتظمة مماثلة بعد الولادة, واشهر الأدلة على ذلك جاء من بحوث جيزل وزملائه الذين درسوا النمو الحركي للأطفال في السنوات الأولى من حياتهم, فقد لاحظوا الأطفال في فترات منتظمة, وفي ظروف مقننة, ووصفوا سلوكهم وصفًا دقيقًا, ووجدوا نمطًا تتابعيًّا للنمو الحركي، حتى أن جيزل اقترح لوصف هذ التتابع المنتظم الثابت تسمية خاصة هي "المورفولوجيا النفسية". ومن أمثلة ذلك "الاتجاه من أعلى إلى أسفل" الذي أشار إليه كوجهل وغيره، و"الاتجاه من الوسط إلى الأطراف", كما تظهر خصائص الانتظام في سلوك الحبو والوقوف والمشي واستخدام الأيدي والأصابع والكلام, هذه الألوان من السلوك تظهر في معظم الأطفال بترتيبٍ وتتابعٍ يكاد يكون واحدًا؛ ففي نضج المهارات الحركية عند الأطفال نجد أن الجلوس يسبق الحبو، والحبو يسبق الوقوف، والوقوف يسبق المشي, وهكذا. فكل مرحلة تمهد الطريق للمرحلة التالية، وتتابع المراحل على نحو موحد.
وقد تثير هذه الخاصية مرةً أخرى مسألة العلاقة بين النمو والعمر الزمني التي أشرنا إليها في وصفنا للتغيرات النمائية, لقد أدَّى ذلك بكثير من الباحثين إلى الاهتمام بوضع قوائم بالأحداث التي تطرأ على حياة الإنسان مع تقدمه في العمر.
ومع ذلك لم يقدم ذلك الجهد إسهامًا يذكر في فهمنا لطبيعة عملية النمو, والأجدى بالطبع هو وصف الأنماط السلوكية التي تنتج عن التكامل بين الذخيرة السلوكية المتوافرة لدى الفرد في وقت ما, والخبرات الجديدة التي يتعرض لها, ولهذا نجد كيسن "Kessen, ١٩٦٠" يقول: إن العمر في حد ذاته ليس هو المعادل الموضوعي للنمو, والعمر -في رأينا- ليس "زمنًا أجوف"، كما أن النمو لا يمكن أن يحدث في "فراغ زمني" وإنما يحدث فيه دائمًا هذا التفاعل والتكامل بين الخبرة الراهنة والبنى السلوكية التي تكونت من قبل لدى الفرد، وهو التفاعل والتكامل الذي يؤدي إلى تغيير طريقة الفرد في التفاعل مع البيئة, وعلى نحوٍ يؤدي به إلى مستويات أعلى من هذا التفاعل والتكامل "في حالة التحسن", أو إلى مشتويات أدنى منهما "في حالة التدهور"، وهما وجها النمو. والخلاصة هنا أن النمو الإنساني يحدث في فترة محددة من الزمن، إلّا أن الزمن وحده ليس شرطًا كافيًا لحدوث النمو, وباختصار نقول: إن التغيرات النمائية هي المحتوى السلوكي للزمن.