يقترح الباحثون في ميدان سيكولوجية المسنين مجموعةً من المحكات يحددون بها بلوغ طور "الهرم" Senility, وهو ما نُؤْثِرُ أن نطلق عليه التسمية القرآنية "أرذل العمر", وهي تسمية معجزة تستوعب بإيجاز خصائص هذا الطور الذي يتسم بأن أهم علاماته تعاسة المسن, وإزعاجه للآخرين, وضيق هؤلاء به، وهذا ما يجعله طورًا منفرًا، سواء أكان هذا "الهرم" عاديًّا normal, أم مرضيًّا Pathological كما سنوضح فيما بعد, نعرض فيما يلي هذه المحكات بادئين بالمحك الإسلامي, ثم نتبعه بالمحكات الأخرى.
١- المحك الإسلامي:
التدهور الانتكاسي وفقدان القدرة على التعلم تشير الآيتان القرآنيتان الكريمتان اللتان تناولتا التقدم في العمر "يس: ٦٨", وأرذل العمر "النمل: ٥""وقد أوردناها في مطلع هذا الفصل" حدوث تغيرات تدهورية هامة، تجعل أصحاب هذا الطور فئة مختلفة عن غيرهم من الشيوخ أو المسنين.
إلّا أن التدهور في أرذل العمر الذي يشير إليه القرآن الكريم يتسم بصفة جوهرية هي أنه ارتدادي انتكاكسي، أي: يعود بصاحبه إلى الوراء, وإلى مستوياتٍ أدنى من السلوك، وإذا كان "أفضل العمر"١ بالطبع هو الرشد واكتمال النضج, فلا بُدَّ أن يكون هذا الانتكاس عودةً إلى ما قبل الرشد أو النضج، أي: أن سلوك المسنين في طور أرذل العمر يتسم بأنه أقرب إلى تصرفات "المراهق" أحيانًا, "الطفل" في معظم الأحيان، وبهذا يصبح التدهور حينئذ مختلفًا عن أيِّ تدهور آخر يحدث في أي طور سابق, فأي تدهور آخر قد يكون كميًّا "أي: نقص في درجة النشاط" فحسب, طالما أنه في نطاق السواء، إلّا أنه في طور أرذل العمر تدهور كمِّي "أي: في الدرجة", وكيفي "أي: في النوع" معًا.