لمفاهيم النمو الإنساني ماضٍ طويل يمتد بأصوله إلى التصور الديني والتأمل الفلسفي والخبرة الشخصية للإنسان. أما الدراسة المنظمة لهذا الموضوع, والتي تعتمد في جوهرها على الأسلوب العلمي في البحث القائم على الملاحظة, فلها تاريخ قصير لا يتجاوز المائة عام. ونعرض فيما يلي هذا الماضي الطويل والتاريخ القصير بشيء من الاختصار يتسع له المقام, وهذا العرض ليس هدفه مجرد الاستطراد التاريخي, وإنما الإشارة إلى الأصول النظرية والفلسفية التي استندت إليها الدراسات العلمية الحديثة, سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بشكل مضمر أو صريح، وبهذا قد تتحدد أوجه الاتفاق والخلاف التي تبدو لنا غير مفهومة إذا نظرنا إليها من السطح، بينما التعمق فيها وسبر أغوارها يكشف لنا الكثير من الفهم والحكمة والتبصر.
ونتناول هذا العرض من خلال منظورين للنمو, هما: المنظور الغربي والمنظور الإسلامي, ونخصص هذا الفصل للمنظور الأول من خلال الفكر اليوناني ودوره في تطور مفاهيم الحضارة الغربية عن الطبيعة البشرية ونمو الإنسان، ثم نخص الفصل التالي للمنظور الإسلامي, مع إشارة خاصة إلى كيفية توجيه بحوث النمو في العالمين العربي والإسلامي, على نحوٍ جديد.
أولًا: المنظور اليوناني للنمو الإنساني
على الرغم من أن الحضارة اليونانية هي أحدث الحضارات القديمة نشأت، إلّا أن هناك إشارات متكررة لدى الحضارات القديمة الأخرى السابقة عليها إلى مسائل تتصل بطبيعة الإنسان، وعلى وجه الخصوص في الحضارة المصرية القديمة التي أظهرت رعايةً واهتمامًا كبيرين بالطفل, باعتباره كائنًا عاجزًا وضعيفًا, وفي حاجة إلى إشباع متطلباته الجسمية؛ من تغذية وحركة، بالإضافة إلى حاجته الاجتماعية للعب. "فؤاد أبو حطب، تحت الطبع". كما أن قوانين حمواربي