يبدو للبعض أن الحديث عن نموِّ الشخصية في طور بلوغ الأشد أو منتصف العمر أمر غير ممكن؛ ففي وسط العمر يصل الإنسان إلى "تحديد طريقه", كما أنه فيما يبدو يكون قد أحرز استقرارًا شبه نهائي في سمات شخصيته, وهذا ما يقرره الراشدون الكبار حول أنفسهم عندما يدركون هذا الطور, فعادةً ما يصف الشخص الذي تجاوز عمره الأربعين سنة نفسه بقوله "لقد تحددت شخصيتي"، وأنه فات الأوان الذي يفكر فيه في تغيير أساسي في سلوكه، وأن الحياة بالنسبة له لا تتغير من يومٍ لآخر, ومن عامٍ لآخر.
إلّا أن الملاحظات العارضة بالإضافة إلى نتائج البحوث العلمية السيكولوجية تذكر لنا أن طور وسط العمر لا يختلف عن غيره من أطوار ومراحل النموّ الإنساني, في أنه طور نموّ وتغير مستمرين, ولعل الحكمة القديمة التي تقول:"إن الحياة تبدأ في سن الأربعين" تدعم هذا القول، كما تدعمه عبارات كثيرة شائعة؛ بعضها له أساس علمي عن أزمة منتصف العمر, بل إن بعض الكُتَّاب يذهبون إلى أبعد من ذلك, فيقارنون بين "أزمة" الرشد الأوسط و"أزمة" المراهقة، واخترع بعضهم مصطلح middlescence ليعني وجود فترة اضطراب في وسط الحياة، بالإضافة إلى الدور الاجتماعي الجديد لها, ويرون أن في هذا الطور تتوفر للراشد فرص جديدة لحل أزمة الهوية التي تظل موضع المعاناة منذ المراهقة, فوسط العمر "فرصة ثانية لتؤدي الأعمال التي تحبها، وتغني أغانيك المفضلة، وأن تكون حقًّا وصدقًا أنت نفسك" "على حد تعبير ليشون الكاتب المعاصر ليشون Leshon".
وفي تناول موضوع نموِّ الشخصية وتغيرها في هذا الطور يركز العلماء على مسألة أثر التقدم في السن على الشخصية, فهل يظهر الأفراد تغيرات منتظمة في جوانب الشخصية؛ مثل الميول والاتجاهات والقيم, مع انتقالهم مع الرشد المبكر إلى وسط العمر وأخيرًا إلى الشيخوخة، أم أن الشخصية تستقر عبر دورة حياة الراشد؟
وعلى الرغم من أن المقاومة المباشرة بين مختلف الأعمار في إحدى سمات الشخصية, أو مجموعة من هذه السمات تبدو الطريقة الصحيحة للإجابة على هذا