السؤال إلّا أن الأمر في الواقع ليس بهذه البساطة؛ فالشخصية هي أكثر جوانب الفرد تعقيدًا وتركيبًا ويصعب قياسها عبر الزمن, ويميز بعض العلماء في هذا الصدد بين البنية الأساسية للشخصية أو نمط السمات فيها, وبين أنماط السلوك الظاهر أو الأدلة التي تدل على هذه السمات, وتؤكد البحوث أن البنية الأساسية للشخصية مستقرة عبر الزمن، أما ما يطرأ عليه التغيير فهو السلوك الظاهر, أو الأداء الذي يتم من خلاله التعبير عن هذه البنية؛ فالشخص قد يظل يوصف بالعدوانية سواءً في رشده المبكر أو الأوسط، إلّا أن طريقة التعبير عن هذا العدوان قد تخلف من طور لآخر؛ فقد يكون العدوان إيجابيًّا في الطور الأول؛ حيث يغلب عليه طابع الهجوم والمواجهة والتحدي، وسلبيًّا الطور الآخر؛ كنيسان دعوة الشخص موضع العدوان على الغذاء أو خداع الرئيس, وهذا لا يعني أن السمة تغيرت تغيرًا جوهريًّا في الطورين، أو أن بنية الشخصية غير مستقرة, وبالمثل فإن التشابه بين أنماط السلوك الظاهر في الطورين لا يدل على تشابه السمة فيهما أيضًا. فالأشخاص الذين يقدمون المساعدة لزملائهم، قد يفعلون ذلك بسبب ما لديهم من دافع أساسي أصيل للمساعدة, أو بسبب دافعهم للحصول على تقدير الذات, والسعي إلى تضخيم صورتها من خلال جعل الآخرين يدركون أنفسهم ضعافًا أو غير قادرين, أو لديهم نقص في مجال معين, وهذا نوعٌ من السلوك العدواني السلبي تجاه الآخرين.
وكما هو الحال في دراسة النموّ العقلي المعرفي، فإننا في دراسة نموِّ الشخصية في حاجة إلى التمييز بين الفروق الشخصية التي ترجع إلى النمو الفعلي والمنهجية, فإن معظم البحوث التي أجريت حول نموِّ الشخصية تدعم فرض استمرار بنية الشخصية في مرحلة الرشد، ويصدق هذا خاصةً على البحوث التي استخدمت الطريقة الطولية, وأكثر الخصائص استقرارًا هي القيم "الجمالية، الدينية، الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية" والميول المهنية, وحين استخدمت الطريقة المستعرضة كانت النتائج أكثر تعقيدًا بالطبع؛ حيث توصلت بعض الدراسات مثل التصلب والمحافظة ومفهوم الذات والرضا عن الحياة.
ومن الدراسات التي أكدت استقرار الشخصية تلك التي قامت بها "Haan, ١٩٨١" وهي دراسة طولية لعينة من المفحوصين بدأ بعضها من مرحلة الطفولة، إلّا أن معظمها بدأ من مرحلة المراهقة واستمرت الدراسة حتى بلوغ المفحوصين طور وسط العمر, وأجريت المقارنة في ست سمات هي: