يلجأ بعض مؤلفي كتب النمو إلى تناول الموضوع حسب مظاهر النمو ومجالاته، فيخصصون فصولًا أو كتبًا كاملة حول النمو الجسمي أو النمو العقلي أو النمو الوجداني أو النمو الاجتماعي عبر عدة مراحل لحياة الإنسان, وهذا أسلوب له حدوده، فقد يوحي بأن المكونات الجسمية والعقلية والاجتماعية والوجدانية الانفعالية من النشاط الإنساني, أو الشخصية الإنسانية, يمكن الفصل بينها, وتداول كل منها على أنه مظهر مستقل بالفعل, وهذا بالطبع مستحيل؛ فالنمو عملية كلية Holistic تحدث مظاهرها كلها متآنية وبينها علاقات متداخلة. والتركيز على تحليل المكونات قد يوقع القارئ في خطأ تجاهل ما يجب أن تكون عليه كل مرحلة من مراحل الحياة من تكامل واتساق.
وأيّ مبتدئ في علم النفس يعلم أن تحليل النمو إلى مكوناته هو أمر اصطناعي، على الرغم من أهميته. فالباحثون الذين يعملون في أي مجال من مجالات النمو, يلاحظون أن التغير في أحد مظاهر النمو له تضميناته وآثاره في المظاهر الأخرى؛ فالنمو اللغوي لا يعتمد فقط على المهارات اللغوية والنمو العقلي, وإنما يعتمد في كثير من جوانبه على النمو الاجتماعي والوجداني للطفل, وعلى ذلك فمن الواجب على المهتم بعلم نفس النمو أن يتبع منهجه التحليلي بنظرة تركيبية, وإلّا افتقد "وحدة" الشخصية، "وتكامل" السلوك. وقد وصف أحد مؤلفي هذا الكتاب دور كل من التحليل والتركيب في دراسة السلوك الإنساني في موضع آخر "فؤاد أبو حطب، ١٩٩٦", وفي جميع الأحوال يجب أن نكون على وعيٍ بأن الكائن الإنساني هو مخلوق جسمي ومعرفي ووجداني واجتماعي في آنٍ واحد، وكل مكون من هذه المكونات يعتمد -جزئيًّا على الأقل- على التغيرات التي تحدث في المكونات الأخرى.
وعلى الرغم من أن المنحى الكليّ في النظر إلى النمو يعود بأصوله إلى سمتس عام ١٩٦٢. "Smuts, ١٩٢٦", حين نحت مصطلح Holism, إلّا أن توظيفه في علم نفس النمو لم يظهر بشكل جادٍّ إلّا على يد شوستر وآشبورن "Schuster & Ashburn ١٩٩٢", والذي ظهر في الطبعة الأولى من كتابهما عام ١٩٨٠, وعندهما أن المنظور الكلي يجب أن يتسع ليشمل المنحى التكاملي Inregrated في دراسة النمو الإنساني, والذي يتطلب دراسة أسرة الفرد وتاريخه وبيئته وأهدافه وأدواره, ولعل هذا يذكرنا بالمنظور التكاملي للنمو الذي قدمه عالم النفس المصري الرائد يوسف مراد, منذ أواخر الأربعينيات, وهو ما تناوله أحد مؤلفي هذا الكتاب في دراسة مستقلة "فؤاد أبو حطب ١٩٩٦".