ولم تؤكد بحوث أخرى وجود هبوط في التفكير التباعدي من الرشد المبكر وفي المراحل المتقدمة من العمر. ومن ذلك أن "Jaquish&Ripple, ١٩٨١" لاحظا أن الراشدين في منتصف العمر يؤدون أفضل من كل الراشدين المبكرين ومن الشيوخ في عدد من مهام التفكير التباعدي, كما أكدا أن القدرات الابتكارية لدى مفحوصي وسط العمر والشيخوخة ارتبطت بتقدير الذات, ومن ذلك أن الأشخاص الذين لديهم تقدير عالٍ لأنفسهم قد يكونون أكثر ابتكارية, وهكذا فإن وجود نظرة موجبة إلى الذات تُعَدُّ قوةً دافعة تحدد رغبة الشخص وإرادته للبحث عن حلول ابتكارية للمشكلات.
وبعض الباحثين يذكرون أن أنواعًا مختلفة من الابتكارية ترتبط بمختلف أطوار الرشد, ومن ذلك مثلًا الإشارة إلى الابتكارية الساخنة الثائرة hot-from-the-fire في الرشد المبكر، والابتكارية الرصينة Sculpted في وسط العمر "Jacques ١٩٦٤", فخلال السنوات المبكرة من الرشد يكون العمل الإبداعي حادًّا وعنيفًا وشديدًا وتلقائيًّا، ويبدو الإنتاج عند ظهوره كاملًا ونهائيًّا وجاهزًا، وكان أينشتين أوضح الأمثلة على ذلك.
أما ابتكارية وسط العمر فهي من ناحيةٍ أخرى أبطأ وأكثر هدوءًا ورصانةً, فبدلًا من الشدة والقفز السريع يتسم المرء بالبطء والعمل المثابر، وكان شكسبير وديكنز من الأمثلة البارزة على ذلك, ويبدو لنا أن قمة الإبداعية التلقائية الساخنة تكون في الرشد المبكر، أما صور الإبداعية التي تتطلب الخبرة وإعادة النظر والمراجعة والتأمل فقد تظَلّ إما غير متغيرة أو تزيد في وسط العمر.
والسؤال الأخير هنا: لماذا يتناقص الإنجاز الابتكاري عامَّةً مع التقدم في السن؟ هذا السؤال لايزال في حاجة إلى بحوث جيدة التصميم للإجابة عليه، وعمومًا يمكن أن نوجز أسباب هذه الظاهرة في ضوء الأدلة المتاحة فيما يلي:
١- زيادة الجمود والتصلب المعرفي مما يعوق المرونة, وهي من مكونات الابتكار.
٢- ضعف القوة الجسمية والحسية والصحية بصفة عامة.
٣- تغير الاهتمامات والميول والدوافع, مما يحول المبتكر عن الإنجاز.
٤- ضغوط الحياة اليومية "المالية والأسرية".
٥- الحصول على الشهرة والاكتفاء بها.
٦- الانشغال في الأنشطة الإدارية والتنفيذية.
٧- العجز عن ملاحقة الانفجار المعرفي الذي يتطلب تقويمًا مستمرًا للإسهامات المبتكرة.