والتقمص وتكوين رد الفعل والخُلْفَةِ أو العناد وأحلام اليقظة والانسحاب والنكوص التي تحدث لا شعوريًّا ولا يتلفظ بها المسنون، كما أن بعضهم يتلفظ بما لا حصر له من الشكوى والتذمر, ومنهم من يظهر بالفعل أمراضًا جسمية لها الطابع السيكوسوماتي Psychosomatic؛ فالمرض الجسمي، مهما كان خطيرًا، أهون من الاعتراف بالتقدم في السن, والمرض -مهما طال- قابل للعلاج, أما التقدم في الشيخوخة فلا علاج له, ناهيك بالطبع عن الأمراض العصابية والذهانية التي تظهر في هذا الطور, والتي سنتناولها بالتفصيل فيما بعد.
ومع دخول المسن طور أرذل العمر يزداد التدهور الذي شهدناه في طور الشيخوخة حدة وشدة, وفي رأينا أن الفرق بين الشيخوخة وطور أرذل العمر هو فرق في الدرجة والنوع معًا؛ فالتدهور في الطور الأول أقل حدَّةً ويمكن التعامل والتعايش معه، أما مع أرذل العمر فهو تدهور عنيف يصاحبه تغير كيفي في سلوك المسنين, ونعرض فيما يلي لجوانب هذا التغير الذي حظيت بالبحث العلمي في السنوات الأخيرة.
تبدأ معالم أرذل العمر حين يتعرض المسن لتغيرات جسمية ونفسية وعقلية حادة, ومن العمليات الفسيولوجية التي تحدث في هذا الطور فشل أعضاء الجسم في القيام بوظائفها، صحيح أن هذه العملية طويلة الأمد وتحدث منذ وقت مبكر في حياة الإنسان، إلّا أن خلل الوظائف وفشلها يظهر بوضوح في هذا الطور, وقد يتطور إلى مرض عضال, وقد وصفت "Kubler-Ross, ١٩٦٥" خطوات الاستجابة لمعرفة المريض بالظرف الصحي القاتل, وكانت الممارسة الطبية في الماضي عدم إخبار المريض بذلك رأفةً به، أما الآن فإن الرأي الطبي السائد ضرورة إخبار المريض بالحقيقة حتى يمكن إجراء التوافقات اللازمة من النواحي النفسية والاجتماعية, وتتلخص استجابات المسن لمعرفة حقيقة مرضه العضال فيما يلي:
١- الإنكار والعناد: الاستجابة الأولى المعتادة للشخص الهرم عند معرفته بأن مرضه هو المرض الأخير -وقد يكون مرض الموت- هي الصدمة متبوعة بالإنكار والتبرير, ومن ذلك القول بأن الأطباء مخطئون, أو أن التشخيص غير صحيح, وفي الحالات المتطرفة يرفض الهرم العلاج, ويصر على القيام بمهامه المعتادة, ومعظم المرضى الذين يستخدمون حيلة الإنكار بحدَّةٍ خلال مرضهم, هم أولئك الذين تعودوا على التعامل مع مواقف الحياة الصعبة بهذه