للشباب، ويعينه على ذلك اقتراب نموّه الجسمي من الاكتمال, كما تصل الرغبة في الاستقلال إلى قمة حدها في هذا الطور, وكثيرًا ما يبالغ الشباب في هذا الرغبة إذا علم أن بعض أصدقائه أكثر استقلالًا منه, وقد ينشأ عن ذلك صراع مع الوالدين, ويكتشف المراهق أن اعتماديته في هذه المرحلة ذات طابع اقتصادي في جوهرها، ويحاول البعض حلّ هذا الصراع بالبحث عن مصادر خاصة للدخل "من خلال العمل أثناء وقت الفراغ" تعينه على هذا الاستقلال, وبعض حالات التسرب في التعليم الثانوي والجامعي يعود إلى هذا السبب.
أما الميول التي تتمركز حول المستقبل: فتبدأ في الظهور مع المراهقة المبكرة إلًا أنها سرعان ما تصبح مصدرًا للاهتمام الكبير في طور السعي, فمع الاقتراب من الرشد ومسئولياته يشعر الشاب بعبء المستقبل شديدًا, وخاصة إذا كان عليه أن يستقلَّ بحياته ويتزوج ويكوّن أسرة, ومع لعبة "خلط الأوراق" التي يعيشها المجتمع المصري في الوقت الحاضر, يشعر الفتى أن مَطَالِبَ هذا الاستقلال أصبحت مستحيلة التنفيذ مع سوق عملٍ محدودٍ يجبر الشباب على انتظار الوظيفة التي توفرها لها القوى العاملة, أو مسابقات التعيين "والتي غالبًا ما لا تتفق مع ميوله, بل ولا مع إعداده السابق"، والتي يحصل منها على "دخل محدود"، لا يكاد يغطي تكاليف الحياة اليومية المعتادة, ويصبح السؤال المكرر دائمًا، المعاد أبدًا, الذي يطرحه الشاب على نفسه: كيف أوفر من هذا الدخل المحدود ما يكفي الحاجات الأساسية, ويغطي تكاليف شقة متواضعة, وأثاث أقل تواضعًا لأتزوج وأكوّن أسرة؟ هذا السؤال البسيط لم يجب عليه أحد من صناع السياسة الاجتماعية والاقتصادية في مصر بعد, وواجبهم أن يجيبوا عليه؛ لأن المشكلة هنا من النوع الذي لا يقبل المعالجة السيكولوجية من خلال خدمات إرشاد نفسي مباشرة، وإنما هي نوعٌ من الكارثة الاجتماعية التي تنذر بالشر المستطير, والتي يتصل حلها بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية.