رأينا أن نقول أن هذه القوانين تحكمها مشيئة الله تعالى, فما يخرج عن نطاق التحكم البشري ليس محض مصادفة، وإنما هناك المشيئة الأعلى والقدرة الأسمى التي خلقت الكون والإنسان, وحددت لهما سنن وجودهما, والتي يسميها القرآن الكريم "التقدير", يقول الله تعالى:{مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه}"عبس: ١٩" راجع الفصل الثالث", وتقدير الله -جَلَّ شأنه تعالى- على أوصاف المصادفة والعشوائية وغيرها من المصطلحات الراهنة في علم الإحصاء الحديث, والتي انتقلت بدورها إلى علم الوراثة, والأصح من الوجهة الإسلامية أن نقول: إنه إذا أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يلتقي الحيوان المنوي الحامل لكروموزوم الذكورة "ص", بالبويضة التي تحمل دائمًا كروموزوم الأنوثة "س", فإن الجنين يكون أنثى بأمر الله, وقد نَبَّه القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلمية, يقول الله تعالى:{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم: ٤٥-٤٦] . أي: أن الذكورة والأنوثة تابعة لماء الرجل "راجع الفصل الثالث".
وحالما يتم تكوين النطفة الأمشاج باتحاد النطفة الذكرية والنطفة الأنثوية يتحدد نهائيًّا جنس الجنين, ولا يوجد وسيلة على أيّ نحو تغير من هذا الجنس, وعلينا أن ننبه هنا الأزواج الذين يلومون زوجاتهم على ولادة "البنات"؛ لعلهم يدركون من مناقشتنا السابقة أن كروموزوماتهم هي المسئولة -بمشيئة الله- عن تحديد "الجنس" وليس كروموزومات الأم، ربما لعلهم بهذا يخففون من غلوائهم، فهم وحدهم الملومون، إن كان هناك من يلام!
ويختلف نوعا صبغيات الجنس بعضهما عن بعض في الحجم, وعدد الموروثات داخل كلٍّ منهما؛ فالكروموزوم "ص" أصغرهما -كما بينا- بالإضافة إلى أنه يحتوي على عدد من المورثات أقل من الكروموزوم "س", وهذه الحقيقة تفسر لنا حدوث الاضطرابات الوراثية المرتبطة بالجنس.