للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الزمن حتى يصلوا إلى الرشد بمعناه الاقتصادي الاجتماعي التعليمي "وهو في وقتنا الحاضر يكون عند حوالي سن الخامسة والعشرين" يمكن أن يقال عنهم أنهم دخلوا مرحلة نمو اختيارية optional period هي طور الشباب.

ووصف هذا الطور بأنه "مرحلة اختيارية" وصفٌ هامٌّ؛ لأن بعض الأشخاص قد تظهر عليهم علامات الرشد دون حاجة إلى ذلك، وخاصةً أولئك الذين ينهون تعليمهم مع نهاية المرحلة الإعدادية "عند حوالي سن ١٥سنة" ويدخلون سوق العمل مبكرين "عند حوالي هذا السن"، وقد يتزوجون ويكوّنون أسرة حالما يسمح القانون بذلك "عند حوالي سن ١٨ سنة"، فهؤلاء جميعًا اختاروا -أو اختير لهم- الانتقال مباشرة من المراهقة إلى الرشد.

وهكذا يصبح الشباب كطورٍ جديدٍ في حياة الإنسان مرحلة انتقالية أخرى, تتم فيها التغيرات اللازمة للتحول إلى الرشد, وهذا التغيرات وما تتطلبه من تكيفات لمكانة الرشد ومستوياته من السلوك, تبدأ -كما بينا في الفصل السابق- أثناء البلوغ والمراهقة، إلّا أن ظروف العصر الذي نعيش فيه تطلَّبَت أن تظل مستمرة في الحدوث حتى تكتمل في مرحلة الشباب, إنها فترة وسيطة بين الحريات السابقة والمستويات والمسئوليات اللاحقة، وهي آخر مواقف التردد قبل أن يلتزم المرء بالتزامات الراشد بالعمل والأسرة؛ ولأن معظم مواقف التغيرات العظمى في الجسم والسلوك تكون قد حدثت بالفعل أثناء المراهقة, فإن طور السعي أو الشباب يكون عادةً مرحلة انتقال تدريجي أكثر بطئًا من الطور السابق, يصدق هذا على التغيرات الجسمية صدقه على التغيرات النفسية, ولعل هذا الإيقاع البطيء للنمو في هذه المرحلة, يهيئ المرء أن ينتهي من المرحلة الأولى من نموه بسلام, لينتقل إلى المرحلة الثانية من حياته؛ فالمرحلة الأولى توشك أن تنتهي بالشباب وينتهي معها "الضعف الأول", الذي أشار إليه القرآن الكريم، كما يوشك أن يولد العصر الجديد، مرحلة "القوة" و"بلوغ الأشد" حسب الوصف القرآني البليغ, وحتى يتم هذا الانتقال على نحوٍ يتضمن خصائص "الصحة" و"السلامة" أكثر من "الاضطراب" و"الخلل", كان لا بُدَّ أن يحدث هذا التدرج والبطء البديع, أليس في هذا معنى جديد للإعجاز الإلهي في نمو الإنسان؟

وإذا كان كلٌّ من المراهقة والشباب طورين جديدين في النمو الإنساني انتجتهما الثورة الصناعية التكنولوجية المعرفية الحديثة، إلّا أن بينهما اختلافٌ جوهري؛ فالمراهقة -كما بينا في الفصل السابق- يمكن تحديدها بيولوجيًّا واجتماعيًّا وسيكولوجيًّا، أما الشباب فهو ظاهرة اجتماعية سيكولوجية في جوهره، ولولا

<<  <   >  >>