للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي رأيه أن الزوجين لا يحتاجان بالضرورة إلى أن يكونا متشابهين في الخصائص حتى تنجح العلاقة الزوجية, وإنما الأكثر أهميةً وجود عناصر "معززة" لدى كلِّ شريك في الآخر, وبعبارة أخرى: فإن كل فرد في العلاقة الزوجية لا بُدَّ أن تكون لديه القدرة على إشباع حاجات شريكه بصرف النظر عن خصائصه, وقد يحدث ذلك نتيجة تشابهها في بعض الخصائص، وقد يحدث أيضًا نتيجةً لاختلاف بعض خصائصها؛ بحيث يكمل كل منها الآخر، كما هو الحال مثلًا حين يكون أحد الزوجين متشددًا والآخر متسامحًا.

ومن الطريف أن نشير هنا إلى أن النتائج السابقة لم تشر إلى عاملٍ يفترض فيه أن يعد حاسمًا في تكوين العلاقة الزوجية وهو "الحب", والسبب أنه يُعَدُّ مسلَّمَة الحياة الزوجية خاصة, والحياة الأسرة عامة؛ فالحب هو العامل الحاسم في اختيار الزوج أو الزوجة, فأن يتزوج المرء بسبب المال أو القرابة أو الأصل العائلي قد لا يوافق عليه كثير من الشباب في المجتمع الحديث؛ لأن الزواج مسألة "شخصية", هذا على الرغم من أنه كان في الماضي، بل أنه لا يزال حتى الآن في بعض الثقافات والثقافات الفرعية في المجتمع الواحد، يعد مسألة عامة, فقد يختار "حكماء" الأسرة شركاء الزواج ربما على غير إرادتهم للربط بين العائلات، وفي هذا لا يُعَدُّ الزواج رابطة فردية بين شخصين, وقد تستخدم في هذا الاختيار أسس مادية بحتة كالمستوى الاقتصادي والاجتماعي, وقد ينشأ عن ذلك بالفعل مشكلات كثيرة للزوجين وأسرتيهما التي تنتهي كثيرًا في مثل هذه الحالة بالانفصال والطلاق.

وقد حذَّرَ الإسلام من ذلك كله، وجاءت الأسس التي وضعها لاختيار كلٍّ من الزوجين لشريكه١ تتفق مرةً أخرى مع أصول الفطرة السليمة, ولهذا جاءت صفة التدين والصلاح على رأس الخصائص التي يحبذها الإسلام في كلٍّ منهما, يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم بالنسبة للزوجة:

"تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.

ويقول -عليه الصلاة والسلام- أيضًا بالنسبة للزوج:

"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلَّا تفعلوا تكن فتنة في


١ نحب أن ننبه هنا إلى أن الإسلام أوجب أخذ رأي الفتاة فيمن يتقدم للزواج بها, وحَرَّمَ زواجها بمن ترفضه أو تكرهه، بل وأجاز للمرأة العاقلة القادرة أن تفسخ العقد الذي يربطها بشخصٍ لم ترضه لنفسها, وتمتلئ صفحات المؤلفات المتخصصة في الفقه الإسلامي بالأدلة على ذلك.

<<  <   >  >>