حتى عهد قريب لم يهتم علماء النفس وغيرهم من علماء العلوم الاجتماعية بمسألة العلاقات بين الأجيال, وقد نشأ هذا الإهمال جزئيًّا من وجهة نظر ضيقة للعلاقات الأسرية الأولية, فبدلًا من إدراك العلاقات بين الآباء والأبناء كعمليةٍ طويلة المدى, ركَّزَ معظم الباحثين على الفترة الأولى من دورة الحياة "الأسرية"، أي: الفترة التي ينجب فيها الزوجان ويربيان أطفالهما الصغار, حتى اللحظة التي ينطلق فيها هؤلاء الأطفال إلى العالم الخارجي, وبالإضافة إلى ذلك شيوع صورة نمطية؛ هي أن الراشدين الصغار حالما يستقلون فإنهم لا يحتاجون ولا يريدون الاتصال بوالديهم, إلّا أن حقيقة الأمر أن الأبناء الراشدين وأباءهم يظلون على اتصالٍ فيما بينهم، وأن هذه العلاقة عادةً ما تفيد الطرفين.
وفي دراسة العلاقات بين الأجيال يوجد سؤالان شائعان هما:
١- ما مدى تأثير جيل ما في نمو الجيل الآخر؟
٢- هل التأثيرات بين الأجيال التي نلاحظها هي في جوهرها أحادية الاتجاه "حيث الآباء يوجهون ويشكلون سلوك وتوافق الأبناء" أم أنها متبادلة "أي: أن الآباء والأبناء يؤثر كلٌّ منهما في نموِّ الآخر تأثيرًا متبادلًا"؟
يعود الفضل إلى "Bengston&Troll, ١٩٨٧" في دراسة العلاقة بين الراشدين الصغار ووالديهم، وفي ذلك يؤكدان على أن عملية التطبيع الاجتماعي الأسري في الرشد هي عملية متراطبة تتسم بالتغذية الراجعة المتصلة ونظام من التأثيرات المتبادلة, كما أكدا على أن الانتقال بين الأجيال للقيم، والمعايير وأنماط السلوك وغيرها, لا يتأثر فقط بخصائص الفرد, وإنما بعوامل أخرى خارج نطاق الأسرة؛ مثل: الفترة التاريخية الخاصة التي يعيش فيها الناس وأصولهم الثقافية, فمثلًا إذا نشأ الشخص في بيئة ثقافية تشجع المناقشة والحوار بين الأفكار, فإن من المحتمل أن يستمرَّ على ذلك في حياة الرشد التالية، وبالتالي يظل يؤثر في الآخرين ويتأثر بهم. وقد تدعمت الطبيعة الثنائية الاتجاه للتأثيرات بين الأجيال في دراسات أخرى حديثة تناولت العلاقات الأسرية بين مجموعات من مختلف المراحل العمرية "مجموعات الوالد المسن والابن في مرحلة الرشد المبكر", وتبين أنه في المسائل التي تتصل بنظام التغذية والممارسات الصحية والاتجاهات السياسية والآراء حول تنشئة الأطفال يوجد دليل على أن تأثيرات التطبيع تتجه