للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يختلفون فيما بينهم في القيم بنفس درجة اختلافهم عن الوالدين، وإن لم يكن أكبر.

وحين يصل الأبناء إلى مرحلة الرشد يصبح لا مناص من إعطائهم فرص الاستقلال والاعتماد على النفس, وهذه المرحلة من الوالدية والتي عادةً ما تحدث للآباء -وهم في طور منتصف العمر- لم تحظَ بقدرٍ كافٍ من البحث العلمي, ومن أسباب ذلك: أن هذه الحالة عادةً ما يُشَارُ إليها على أنها طور "ما بعد الواليدة", وكأن خروج الأبناء إلى العالم الخارجي ينهي تمامًا مسئوليات الوالدين إزاء أبنائهم، وحقيقة الأمر أن الراشدين الكبار لا يتوقفون مطلقًا عن أن يظلوا آباء وأمهات لأبنائهم, حتى ولم يعودوا يعيشون معهم، فالراشدون الصغار، وبصرف النظر عن العمر, أبناءٌ لآبائهم, حتى ولو كانوا متزوجين، ولديهم هم أنفسهم أطفال، ولهم حياتهم المستقلة نسبيًّا, وهذا القول إن كان يصدق بعض الشيء على الثقافات الغربية فهو أكثر صدقًا على المجتمعات العربية والإسلامية.

٢- العلاقات بالأبناء الراشدين:

العلاقة بين الآباء في منتصف العمر وأبنائهم في مرحلة الرشد المبكر تختلف عن علاقة الوالدين بالأبناء في مراحل العمر السابقة في دورة الحياة الأسرية, ومن أهم ما يميِّز تلك العلاقة في هذا الطور أن كلًّا من الآباء والأبناء من الراشدين متكافئون بطريقة أو أخرى من الناحية الاجتماعية، وخاصةً من حيث الامتيازات والمسئوليات التي تتوافر لهم نتيجة مكانتهم كراشدين؛ فالحياة المستقلة وزيادة الدخل المادي وتكوين الأسرة النووية, تؤدي كلها إلى رفع مكانة الابن الراشد الصغير، ويترتب عليها أيضًا نوعٌ من عدم التوازن في علاقة الآباء بالأبناء على نحوٍ يختلف عَمَّا كان عليه الحال في المراحل السابقة, ويوجد مظهر آخر للعلاقة بين الوالدين والأبناء في هذه المرحلة, هو أن "الاستثمار" الانفعالي الأولى الكبير, الذي كان موجَّهًا نحو الأبناء يُعَادُ توجيهه نحو أفراد آخرين, فعند الراشد الصغير يفوق الاهتمام بالزوجة والأبناء الاهتمام بالوالدين, وبالمثل فإن الزوجين في طور منتصف العمر يبدآن في تركيز اهتمام كلٍّ منهما بالآخر, ويقل الاهتمام بأبنائهم الراشدين المستقلين والمعتمدين على أنفسهم نسبيًّا على الأقل, ومع الانشغال بأمور العيش تصبح العلاقة بهم جزءًا من نشاط وقت الفراغ, وليس نوعًا من الحياة اليومية, ومع ذلك فإن البحوث تؤكد أن العلاقة بين الوالدين والأبناء في هذا الطور تظل لها أهميتها.

<<  <   >  >>