منتصف العمر هي فترة تقييم الذات حول النموِّ المهني؛ حيث الأهداف الماضية يُعَادُ النظر فيها في ضوء الإنجازات الراهنة, والأشخاص الذين ينجزون -أو يظنون أنهم أنجزوا- أهدافًا مهنية محددة في الماضي, يشعرون بالرضا عن أنفسهم, ويكونون صورة موجبة للذات, وعلى العكس من ذلك, فإن اعتراف الشخص بأنه لم يحرز في هذا الطور مستوًى مهنيًّا مناسبًا "رئيس قسم، رئيس عمال، مدير مصلحة، إلخ" يقوده ذلك إلى إعادة تقييم أهداف حياته، وغالبًا ما يعيد تقييم ذاته, والأشخاص الذين يجدون صعوبةً في إعادة التوافق بين أهدافهم المهنية ومطامحهم فيها, وبين حقائق مواقف الحياة الخاصة بهم, قد يشعرون بالإحباط, بالإضافة إلى الشعور بالعقم والجمود.
وعمومًا فإنه خلال الرشد الأول يحرز معظم الرجال والنساء أعلى مكانة ودخل في حياتهم المهنية, ومع ذلك فإنهم يظهرون فروقًا واضحة في التقدم في المكانة والدخل مع زيادة العمر, وترجع هذه الفروق إلى درجة الالتزام بالعمل والميل للنجاح، ومقدار دافع الإنجاز، بالإضافة إلى بعض سمات الشخصية التي تميِّز الأكثر نجاحًا, وخاصةً سمة السيطرة والقيادة, ومن الطريف أنه لا توجد فروقٌ بين المجموعتين في درجة الرضا عن الحياة, على الرغم من اختلاف مواضع كلٍّ منهما في السُّلَّمِ المهنيّ, وقد أكدت البحوث أن بعض متغيرات الشخصية في المراهقة يمكن أن تتنبأ بالنجاح المهنيّ بعد ذلك "في طور الرشد الأوسط", ويشمل ذلك الإمكانات والقدرات العقلية, والميول من ناحية، وعوامل أخرى مثل: الطموح والإنتاجية والاستقلال والموضوعية والتسامح مع المواقف الغامضة، والمرونة, وخاصةً مرونة الأدوار من ناحيةٍ أخرى.
ومع ذلك فعلينا أن ندرك الحقائق المفجعة في العالم الذي نعيش فيه، فليس بالكفاءة وحدها يتقدم الإنسان، فلا يزال للوساطة والمحسوبية والنفاق وانتهاز الفرص دورها في تحديد من يحصل على مفاتيح النجاح, وبها قد يحقق النموّ المهني أو الترقي الوظيفي, وبدونها قد يفقد كل ذلك.
ومن المتغيرات الهامة المرتبطة بالنموّ المهني في هذه المرحلة ما يتصل بطبيعة المجتمع الحديث, وما يتسم به من سرعةٍِ في التغيُّر على نحوٍ يجعل الشخص في منتصف العمر يجد أن المهارات التي تعلمها في فترة مبكرة من حياته المهنية لم تعد مفيدة أو فعَّالة, كما كان حالها من قبل؛ فالتقدم التكنولوجي غَيَّرَ تغييرًا جذريًّا عالم العمل بالنسبة للجميع "أصحاب الياقات البيضاء وأصحاب