مدى الحياة longevity, وثانيهما الحد الأعلى للعمر الذي يعيشه الإنسان, ويُسَمَّى المدى الأقصى للحياة maximum life span, ويعكس المؤشر الأول الظروف البيئية من تغذيةٍ ورعايةٍ طبيةٍ وغيرهما، أما المؤشر الثاني فيدل على الخصائص البيولوجية المميزة للإنسان، وكلاهما -من قبل ومن بعد- تتحكم فيه إرادة الله ومشيئته -سبحانه وتعالى.
١- المدى الأقصى للحياة:
يبدو أن المدى الأقصى للحياة ظلَّ ثابتًا خلال بضع فترات تاريخية متعاقبةٍ وعبر الثقافات المختلفة، وخاصةً الإنسان في العصر الحديث حين توافرت للباحثين البيانات التي يمكن أن تخضع للتحليل المنظم, وفي ضوءِ ما هو متاحٌ حتى وقتنا الحاضر يمكن القول أن المدى الأقصى لحياة الإنسان في العصر الحديث هو ما بين ١١٠، ١٢٠ سنة، وأن أقصى ما أمكن التوصل إليه بالفعل هو حوالي ١١٥ سنة١.
والسؤال هنا: كيف تتفق هذه النتائج مع ما نقرأ ونسمع من مزاعم حول أفراد معاصرين عاشوا بيننا أعمارًا تفوق كثيرًا هذا الحد الظاهر؟ يرى الباحثون أن معظم هؤلاء "المعمرين" عاشوا في وقتٍ كان من الصعب - إن لم يكن من المستحيل- التحقق من عمر الشخص بطريقةٍ دقيقة Perlmutter "Hall, ١٩٨٥:٦١" فحين قام بعض الباحثين ببحثٍ عَمَّا ذُكِرَ عن حوالي ٦٠٠ شخص من هؤلاء, من أنهم عاشوا ١٢٠ سنة على الأقل، لم يجد هؤلاء الباحثون واحدًا منهم عاش لأكثر من ١١٤ سنة "Fries&Crapo, ١٩٨١" وقد تأكَّد ذلك من بحوث أخرى، لعل أهمها بحث "Walford, ١٩٨٣", وأحيانًا ما نقرأ أو نسمع عن أشخاصٍ يعيشون في بعض الثقافات والمجتمعات النائية، ويشار إليهم بأن متوسط مدى الحياة لديهم يتجاوز ١٥٠ عامًا، ومن أشهر هذه المجتمعات ثلاثة: بعض قرى الإكوادور، وبعض مقاطعات الدولة الروسية، وبعض المناطق في باكستان, وقد أُجْرِيَتْ دراسات علمية على هذه الحالات الثلاث على وجه الخصوص، وأكدت خطأ هذه التقديرات العمرية؛ ففي حالة معمري الإكوادور, وُجِدَ أن هناك خطأً واضحًا بين أسماء الآباء والأبناء, وبسبب شيوع الزواج الداخلي فقد تكررت بالفعل الأسماء داخل السلسلة الواحدة, كما لوحظ
١ يجب على القارئ أن يتنبه إلى أننا نشير هنا إلى البيانات التي خضعت للتحليل بالنسبة للإنسان خلال القرنين الماضيين, ويخرج من هذا السياق كليةً, ما ورد في الأثر حول أعمار الأنبياء كنوحٍ -عليه السلام, فهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به، وكذلك ما ورد حول بعض الحضارات القديمة, فهذه ليست موضوع بحثنا.