للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض هذه التغيرات قد يبدأ في الظهور في طور منتصف العمر، وربما قبله، إلّا أنها تكون حينئذ بطيئة، وقد يدفع النشاط والحيوية اللذان من سمات هذه المراحل الإنسان إلى عدم الاهتمام بها، إلّا أنها تتراكم تدريجيًّا بحيث تصل مع الشيخوخة إلى الحد الذي لا تخطئه عين، وتقدم "المرآة" دليلًا قاطعًا وحاسمًا على أن المرء تجاوز عمر "القوة"، وبدأ ضعف المشيب.

ولعل أكثر التغيرات وضوحًا في المظهر الجسمي والذي يزداد ظهورًا مع التقدم في سنوات الشيخوخة انحناء القامة على نحوٍ يبدو لنا كما أن هناك نقصًا في الطول, وهذه الخاصية التي تظهر في صورة تقوّس الظهر، وسقوط الرأس إلى الأمام، وانثناء الأطراف الدنيا, والأرداف ربما تعود إلى سنوات سابقة تعرض القوام فيها بالفعل للتشويه, ثم يزداد الأمر سوءًا مع طور الشيخوخة بسبب ضعف العضلات وأوتار هذه العضلات "التي تربط بين العضلة والعظم"، والتكلس المتزايد في أربطة العظام، وضمور فقرات العمود الفقري, وزيادة نحافة العظام ورقتها, وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية السابقة بوهن العظام, وقد يؤدي العامل الأخير إلى نقصٍ حقيقيٍّ في الطول, وليس مجرد نقص ظاهريٍّ نتيجة لانحناء القامة.

ويحتل موضوع العضلات والعظام موضعًا خاصًّا في تحديد العلامات الظاهرة للشيخوخة؛ فإذا كان تكوين العظام واللحم "العضلات" مرحلة جوهرية في تكوين الجنين -كما أشار القرآن الكريم وكما أوضحنا في هذا الكتاب عند تناول مرحلة ما قبل الولادة- فإن العظام واللحم "العضلات" أيضًا أول ما يتدهور من بناء الجسم الإنساني.

فمن الخصائص المميزة للعضلات أن خلاياها لا تجدد نفسها -على عكس الجلد مثلًا, ويرتبط التقدم في السن أساسًا بضمور خلايا العضلات وموتها, ويبدو أن أكبر زيادة في كثافة العضلات تكون عند مطلع طور بلوغ الأشد "٣٩-٥٠ سنة"، ثم تبدأ تدريجيًّا في الضمور مع نقص بطيء في ألياف العضلات, سواء من حيث العدد أو السمك, ومع زيادة الأنسجة الدهنية مع التقدم في السن, فإن نسبة أقل من وزن الجسم تصبح حينئذ من العضلات، أما النسبة الأكبر فتكون للدهون, بل إن هذه الدهون التي كانت في مراحل العمر المبكرة "حتى منتصف طور بلوغ الأشد" تقع بين الجلد والنسيج العضلي، تصير لدى الأصحاء من المسنين الذين بلغوا الستين أو السبعين من العمر، متغلغلةً داخل العضلات نفسها, وحتى لو كان

<<  <   >  >>