للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشعرون بالرضا عند التقاعد, ومن لا يشعرون بذلك؟

يمكن القول بصفةٍ عامة أن الاتجاهات المسبقة نحو التقاعد, وخصائص شخصية المسنين وظروفهم الاقتصادية وأوضاعهم الصحية, وظروف عملهم تلعب دورًا حاسمًا؛ فالأشخاص الذين يؤدون الأعمال الروتينية أو غير الماهرة, والذين يشعرون بالملل من عملهم, وغير السعداء بنظم الإدارة له, وغير الراضين عن العلاقات الإنسانية فيه, قد يشعرون بكثيرٍ من الرضا عند تقاعدهم "Troll, ١٩٨٢". أما الآخرون الذين يعملون في مهن تتطلّب مهاراتٍ عليا, فإنهم يظلّون في عملهم حتى سن التقاعد الرسمي بل بعده إن كان ذلك ممكنًا, ولعل هؤلاء هم أكثر الفئات شعورًا بعدم الرضا عند التقاعد، ويكون توافقهم معه أكثر صعوبة. إنهم أولئك الذين "يحبون عملهم" ويتفانون فيه, ربما لفترةٍ تصل إلى أربعين عامًا من الإنجاز والكفاءة, ثم فجأةً يصل كل ذلك إلى نهايته بخاتمة غير سعيدة. إن هؤلاء الأشخاص يشعرون أن فقدهم لعملهم بالصورة التي عليها نظام التقاعد الحالي إنما هو نوع من "الكارثة المفاجئة"؛ فالعمل الذي أعطاهم طوال هذه الفترة الطويلة شعورًا قويًّا بالاستقلال والسلطة والاعتقاد في قيمتهم من خلال ما يسهم به عملهم في المجتمع، يتلاشى فجأة, ويؤدي ذلك بمثل هؤلاء المسنين إلى أن يكون انتقالهم إلى العمر الثالث من حياتهم صعبًا وشاقًّا؛ فمثل هؤلاء يكون العمل عندهم جزءًا رئيسيًّا من حياتهم بما حقق لهم من مكانة عالية.

كما أن التوافق للتكيّف يكون صعبًا أيضًا لدى أولئك الذين ليست لديهم مدخرات ملائمة أو دخل كافٍ عند التقاعد, وحقيقة الأمر أن دخل المعاش في ظلّ التشريعات الحالية في عدد كثير من الأقطار غير ملائم لمعظم المسنين الذين قضوا حياتهم المهنية يؤدون أعمالهم بأمانة وذمة وشرف, ولذلك كثيرًا ما تنشأ ظاهرة "فقر ما بعد التقاعد", فعادةً ما يترتّب على التقاعد قطع المنح والعلاوات والحوافز وخفض كثير من الرواتب, ولا يمكن للمتقاعد أن تكون روحه المعنوية عالية إلّا إذا كان مستواه الاقتصادي يمكن مقارنته بشكلٍ ملائمٍ مع مستواه عندما كان يعمل "Bromley, ١٩٧٤", ويضاف إلى عامل الدخل عامل آخر هو الصحة, وقد أكدت الدراسات أن هذين العاملين هما أفضل منبئين بالرضا عن الحياة لدى المسنين المتقاعدين, والواقع أن توافر هذين العاملين يهيئ للمسن فرصة فرض تحكمه على بيئته ويعينه عل الاستمرار "راشدًا"، ومن محكاته كما أشرنا كثيرًا، الاستقلال الاقتصادي، بالإضافة إلى شعوره بأنه يمكنه المساهمة في نشاط مفيد, وله قيمته لنفسه وللمجتمع.

<<  <   >  >>