للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدى إلى زيادة تكلفة هذه الرعاية، وخاصةً أن معظم هذه المؤسسات لا تزال مشروعات خاصة, وليست من نوع مشروعات النفع العام "كما هو الحال في النظام الطبي العادي", إلّا أن الملاحظ بصفة عامة أن معظم هذا التحسن لم يتجاوز حدود المستويات الفيزيائية والمادية لبيوت الرعاية, فلا يزال معظمها يعاني من نقص الخدمات النفسية والاجتماعية والطبية الملائمة وخدمات التمريض المناسبة, ومن ذلك أنه لم تبذل جهود جادة لتدريب المسنين على تكوين علاقات اجتماعية جديدة داخل هذه المؤسسات تحل محل علاقاتهم القديمة التي فقدوها مع عملية التقدم في العمر أو التحول إلى المرض.

ولعل أهم ما يراه خبراء رعاية المسنين في وقتنا الحاضر زيادة الاهتمام بالجانب الإيجابي فيهم، ومن ذلك تقديم خدمات التأهيل والتدريب على الاستمرار في تحمل المسئولية والاختيار واتخاذ القرار, ولو بدرجة محددة, كما يجب تصميم المكان بحيث يسمح بالحرية والخصوصية مع درجة عالية من الأمان، أضف إلى ذلك ضرورة توافر اتصال المسن مع أشخاص قريبين منه, وقد تأكّد أن الشرط الأخير هو العامل الوحيد الأكثر أهمية لكلٍّ من رضا المسن عن حياته, ومفهومه لذاته جميعًا. فالاتصال الاجتماعي للمسن -بصرف النظر عن الأشخاص الذين يتصل بهم- يجعله يشعر بأنه لم يعزل تمامًا, أو ينبذ كليةً, وأنه له قيمته, وهذا كله لو توفر يهيئ بيئة ملائمة داخل بيوت المسنين.

ولعل المظاهر السابقة جميعًا كانت وراء حركة اجتماعية هامة ظهرت كثورة هادئة في مجال رعاية المسنين بأسلوب أكثر إنسانية -وخاصة رعاية أولئك الذين بلغوا أرذل العمر ويعيشون مرحلة موت طويل الأمد- والتي سُمِّيَتْ حركة تكايا المسنين Hospice Care, وقد بدأت هذه الحركة بجهود الطبيبة البريطانية سيسلي سوندرز C. Saunders, فقد أسست عام ١٩٦٧ أول تكية من هذا النوع في جنوب شرقي لندن "تسمى تكية سانت كروستوفر" لرعاية أولئك الذين يعانون من مرض الموت, وفيها تقدم للمريض بيئة متحررة من الألم, وآمنةً انفعاليًّا في جوٍّ انفعالي دافئ وحميم، وفيها يستحضر المريض معه أشياءه الأثيرة كلها, ويسمح له بعد الإقامة فيها بالزيادة طوال اليوم "من الثامنة صباحًا إلى الثامنة مساء", ويحث أفراد الأسرة "وخاصة الأبناء" على المساعدة في رعاية المسن, والمشاركة في القيام ببعض أنشطته الخاصة، كإطعامه أو نظافته، وهكذا يظل المريض في مرضه الأخير على صلةٍ بآخرين يرعونه ويستمعون إليه ويشاركونه اهتماماته, بالإضافة إلى ما يتحقق له من حقه في الموت بكرامة, وفي وجود أحبائه.

إلّا أن ما يجب أن ننبه إليه هو أن إيداع المسن في بيتٍ أو تكيةٍ للمسنين يجب أن يكون آخر ما يمكن أن تلجأ إليه الأسرة؛ فالرعاية داخل المنزل لهؤلاء أكثر تقبلًا من الوجهة السيكولوجية, بشرط أن تكون البيئة الأسرية مدعمة. والقاعدة الذهبية في جميع الحالات أنه حين يكون المسن متحررًا نسبيًّا من المرض ومن سوء البيئة, فإن جهازه العصبي يستطيع مقاومة التدهور المصاحب للتقدم في العمر، ويساعد على ذلك أن يعيش شيخوخةً عاديةً قبل موته, أما إذا اجتمع المرض وسوء البيئة لدى المسن, فإن التدهور النهائي يصبح حتمًا لا مناص له، ويصبح طور أرذل العمر مقدمة طويلة تسبق الموت السيكولوجي أو الفعلي.

<<  <   >  >>