ملاحظاته بنمطٍ معين من أنماط السلوك؛ فمثلًا عند دراسة النمو الاجتماعي قد يقتصر اهتمام الباحث على العدوان بين أطفال دار الحضانة, وفي هذه الحالة يسجل بدقة جميع الأفعال التي تصدر عنهم في هذا الصدد؛ مثل الخبط والضرب والعراك والسباب وتحطيم لعب الطفل الآخر, وحيث إنه أيضًا لا يستطيع أن يلاحظ الطفل -أو الأطفال- طول الوقت, فلا مناص من لجوئه إلى منهج عينة الوقت, كما يجب على الباحث أن يصوغ بياناتٍ عن العدوان في صورة كَمٍّ أو مقدار أو درجة قدر الإمكان.
وبالطبع فإن سلوكًا مثل معالجة الأشياء أو العدوان, يمكن ملاحظته مباشرةً، إلّا أن كثيرًا من التغيرات التي يهتم بها المتخصص في سيكولوجية النمو ليست كذلك؛ فالذكاء وسمات الشخصية والدوافع الأساسية جميعًا لا يمكن ملاحظتها مباشرة, ويجب الاستدلال عليها واستنتاجها من الأداء للظاهر؛ فالبنسبة للذكاء مثلًا, نجد أن المتخصص في علم النفس يلاحظ أداء الطفل لمهامٍّ معينة, وحلوله لمشكلات من نوع خاصٍّ يشتمل عليها اختبار جيد الصنع, يسمى اختبار الذكاء، ومن ملاحظاته هذه يستنتج مستوى القدرة العقلية العامة للطفل, ومثل هذه الاستنتاجات لا يمكن أن تكون صادقة ولها معنًى إلّا إذا كانت ملاحظات السلوك تتم في ظروف مقننة أو مضبوطة، وإلّا إذا كانت الإجراءات امستخدمة موحدة ومتطابقة بالنسبة لجميع المفحوصين, وإذا كان علينا أن نقارن بين أداء المفحوصين المختلفين, فإن الظروف التي نلاحظهم فيها يجب أن تكون موحدة للجميع قدر الإمكان, وبذلك يمكننا أن نتأكد من أن الاختلافات في أداء المفحوصين ترجع إلى الفروق في مستويات الذكاء وليس إلى غير ذلك من المتغيرات الدخيلة.
لنفرض مثلًا أن طفلًا في حجرة مليئة بالضوضاء, أو ضعيفة الإضاءة, أو أن الفاحص الذي يقوم بتطبيق الاختبار كان شخصًا غير خبير، وأن طفلًا آخر يتم اختباره بفاحص خبير, وفي مكان هادئ جيد الإضاءة، إن اداء السيء الذي يظهره الطفل الأول قد يرجع إلى هذه الظروف المحيطة به, أو إلى إجراءات الاختبار نفسها وليس إلى انخفاض مستوى الذكاء, أما إذا كانت ظروف الاختبار متطابقة للطفلين قدر الإمكان, يمكننا أن نستنتج استنتاجًا معقولًا أن الطفل الذي يؤدي في الاختبار أداء أسوأ من الآخر يكون أقل ذكاء منه.
وبالمثل يمكننا أن نستنتج مدى القوة النسبية لانفعال العدوان لدى الأطفال من ملاحظاتنا لسلوك العراك والسباب اللفظي والتحطيم, ومرة أخرى, فإن هذه الملاحظات إذا لم تتم في ظروف مضبوطة ومقننة فإن استنتاجاتنا قد لا تكون