من أجود ما وجدت وسمناً فجعلت له شريبة ولينتها وحليتها وأرسلتها مع ابني وكوزاً من ماء وقلت له لا تبرح حتى يشربها. فرجع فقال: قد شربها. فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني فرجع بها لم يشربها.
قال فأتيته فلمته فقلت: سبحان الله رددت علي كرامتي؟ إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله. قال: فلما رآني قد وجدت من ذلك قال: يا أبا بشر لا يسوءك الله قد شربتها أول ما بعثت بها فلما كان الغد راودت نفسي على أن تسيغها فما قدرت على ذلك، إذا أردت أن أشربها ذكرت هذه الآية:{يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} إبراهيم فبكى صالح عند هذا وقال: قلت لنفسي: ألا أراني في واد وأنت في آخر؟.
العلاء بن محمد قال: دخلت على عطاء السليمي وقد غشي عليه فقلت لامرأته أم جعفر: ما شأن عطاء؟ فقالت: سجرت جارتنا التنور فنظر إليه فخر مغشياً عليه.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثتني عفيرة العابدة وكانت قد ذهب بصرها من العبادة قالت: كان عطاء إذا بكى بكى ثلاثة أيام وثلاث ليال.
قالت عفيرة: وحدثني إبراهيم المحلمي قال: أتيت عطاء السليمي فلم أجده في بيته. قال: فنظرت فإذا هو في ناحية الحجرة جالس وإذا حوله بلل، قال: فظننت أنه أثر وضوء توضأه. فقالت: لي عجوز معه في الدار: أثر دموعه.
سوار أبو عبيدة قال: قالت لي امرأة عطاء السليمي: عاتب عطاء في كثرة البكاء، فعاتبته فقال لي: يا سوار كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس تغل يدها إلى عنقها وتسحب في النار؟ ألا تصيح فتبكي؟ وكيف لنفس تعذب ألا تبكي؟ ويحك يا سوار وما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله.
بشر بن منصور قال: قلت لعطاء السليمي: يا عطاء لماذا الحزن؟ قال: ويحك الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي، وربي لا أدري ما يصنع