عن عبد الله بن احمد بن بكر قال كان لابي الحسن المكي ابنة مقيمة بمكة اشد ورعا منه وكانت لا تقتات الا ثلاثين درهماً ينفذها إليها أبوها في كل سنة مما يستفضله من ثمن الخوص الذي يسفه ويبيعه.
فاخبرني ابن الرواس التمار وكان جاره قال جئت أودعه للحج واستعرض حاجته واساله ان يدعو لي فسلم الي قرطاسا وقال تسال بمكة عن الموضع الفلاني عن فلانة وتسلم هذا اليها فعلمت أنها ابنته.
فاخذت القرطاس وجئت فسالت عنها فوجدتها بالعبادة والزهد اشد اشتهارا من ان تخفى فتتبعت نفسي ان تصل اليها شيء من مالي يكون لي ثوابه وعلمن انني ان دفعت اليها ذاك لم تأخذه ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين درهما ورددته كما كان وسلمته اليها فقالت أي شيء خبر أبي فقلت سلامة فقالت قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع الى الله تعالى فقلت أسألك بالله وبمن حججت إليه عن شيء فتصدقني فقلت نعم فقالت خلطت بهذه الدراهم شيئاً من عندك فقلت نعم فمن اين علمت بهذا قالت ما كان ابي يزيدني على الثلاثين شيئاً لان حاله لا يحتمل أكثر منها إلا أن تكون ترك العادة فلو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضاً شيئاً.
ثم قالت لي خذ الجميع فقد عققتني من حيث قدرت أنك تبرني فقلت ولم؟ قالت لا أكل شيئاً ليس هو من كسبي ولا كسب أبي ولا اخذ من مال لا اعرف كيف هو شيئا.
فقلت خذي منها الثلاثين كما انفذ اليك أبوك وردي الباقي فقالت لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم لاخذتها ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته فلا آخذ منها شيئاً وأنا الآن اقتات الى الموسم الاخر من المزابل لان هذه كانت قوتي تلك السنة فقد اجعتني ولولا أنك ما قصدت أذاي لدعوت عليك.
قال فاغتتمت وعدت الى البصرة وجئت الى ابي الحسن فاخبرته واعتذرت إليه فقال لا اخذها وقد اختلطت بغير مالي وقد عققتني وإياها قال فقلت فما أعمل بالدراهم قال لا أدري فما زلت مدة اعتذر إليه وأسأله ما أعمل بالدراهم فقال لي بعد مدة تصدق بها ففعلت.