إبراهيم بن شبيب بن شيبة قال: كنا نتجالس في الجمعة فأتى رجل عليه ثوب واحد ملتحف به فجلس إلينا فألقى مسألة فما زلنا نتكلم في الفقه حتى انصرفنا. ثم جاءنا في الجمعة المقبلة فأحببناه وسألناه عن منزله فقال: أنزل الحربية فسألناه عن كنيته فقال: أبو عبد الله. فرغبنا في مجالسته ورأينا مجلسنا مجلس فقه.
فمكثنا بذلك زماناً ثم انقطع عنا فقال بعضنا لبعض: ما حالنا؟ قد كان مجلسنا عامراً بأبي عبد الله وقد صار موحشاً فوعد بعضنا بعضاً إذا أصبحنا أن نأتي الحربية فنسأل عنه. فأتينا الحربية وكنا عدداً فجعلنا نستحي أن نسأل عن أبي عبد الله فنظرنا إلى صبيان قد انصرفوا من الكتاب فقلنا: أبو عبد الله. فقالوا: لعلكم تعنون الصياد؟ قلنا نعم. قالوا هذا وقته الآن يجيء. فقعدنا ننتظره فإذا هو قد أقبل مؤتزراً بخرقة وعلى كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة وأطيار أحياء. فلما رآنا تبسم إلينا وقال: ما جاء بكم؟ فقلنا: فقدناك وقد كنت غمرت مجلسنا فما غيبك عنا؟ قال: إذاً أصدقكم.
كان لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذاك الثوب الذي كنت آتيكم فيه وكان غريباً فخرج إلى وطنه فلم يكن لي ثوب آتيكم فيه هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق الله عز وجل؟ فقال بعضنا لبعض: ادخلوا منزله فجاء إلى الباب فسلم ثم صبر قليلاً ثم دخل فأذن لنا فدخلنا فإذا هو قد أتى بقطع من البواري فبسطها لنا فقعدنا فدخل إلى المرأة فسلم إليها الأطيار المذبحة وأخذ الأطيار الأحياء ثم قال: أنا آتيكم إن شاء الله عن قريب فأتى السوق فباعها واشترى خبزاً فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيأته فقدم إلينا خبزاً ولحم طير فأكلنا فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء فكلما قام قال بعضنا لبعض: رأيتم مثل هذا؟ ألا تغيرون أمره وأنتم سادة أهل البصرة؟ فقال أحدهم: علي خمسمائة. وقال الآخر: علي ثلثمائة. وقال هذا وقال هذا، وضمن بعضهم أن يأخذ له غيره. فبلغ الذي جمعوا في الحساب خمسة آلاف درهم فقالوا: قوموا بنا نذهب فنأتيه بهذا ونسأله أن يغير بعض ما هو فيه.
فقمنا فانصرفنا على حالنا ركباناً فمررنا بالمربد فإذا محمد بن سليمان أمير البصرة قاعد في منظرة له فقال: يا غلام ائتني بإبراهيم بن شبيب بن شيبة من بين القوم. فجئت فدخلت عليه فسألني عن قصتنا ومن أين أقبلنا فصدقته الحديث. فقال: أنا أسبقكم إلى بره،