معاذ بن الفضل، أبو عون، قال: بكت شعوانة حتى خفنا عليها العمى، فقلنا لها في ذلك، فقالت: أعمى والله في الدنيا من البكاء أحب إلي من أن أحب أحأعمى في الآخرة من النار.
مالك بن ضيغم قال: كان رجل من أهل الأبلة يأتي أبي كثيراً فيذكر له شعوانة وكثرة بكائها فقال له أبي يوماً: صف لي بكاءها.
فقال: يا أبا مالك أصف لك، هي والله تبكي الليل والنهار لا تكاد تفتر قال: ليس عن هذا أسألك، كيف تبتدئ بالبكاء؟ قال: نعم يا أبا مالك تسمع الشيء من الذكر فترى الدموع تنحدر من جفونها كالقطر. قال: فمجاري الدموع من المآق الذي على الأنف أكثر أم مؤخر العين مما يلي الصدغ؟ قال يا أبا مالك إن دموعها أكثر من أن يعرف هذا من هذا، ما هي إلا أن تسمع الذكر فتجيء عيناها بأربع نجوماً متبادرة جداً.
فبكى أبي وقال: ما أرى الخوف إلا قد أحرق قلبها كله، ثم قال: كان يقال إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب، حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين أن يبكي إلا بكى، والقليل من التذكرة يحزنه.
قال مالك بن ضيغم: وقال لي أبي يوماً انطلق مع منبوذ حتى تأتي هذه المرأة الصالحة فتنظر إليها، يعني شعوانة، فانطلقت أنا وأبو همام إلى الأبلة ثم غدونا عليها فدخلنا فسلم علياه منبوذ وقال: هذا ابن أخيك ضيغم. فرحبت بي وتحفت وقالت مرحباً بابن من لم نره ونحن نحبه، أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك وما يمنعني من إتيانه إلا أني أخاف أن أشغله عن خدمة سيده، وخدمة سيده أولى به من محادثة شعوانة.
قال: ثم قالت: ومن شعوانة؟ وما شعوانة؟ أمة سوداء عاصية.
قال: ثم أخذت في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها.
يحيى بن بسطام قال: كنت أشهد مجلس شعوانة كثيراً فكنت أرى ما تصنع بنفسها، فقلت لصاحب لي يقال له عمران بن مسلم: لو أتيناها إذا خلت. قال: فانطلقنا أنا وهو إلى الأبلة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فإذا منزل رث الهيئة أثر الجدب عليه بين. فقال لها صاحبي: لو رفقت