عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، عن رجل من خزاعة قال: لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم والله ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة، ولا أرداكم الطمع، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم؛ ولا غيرت نسبكم ولا أوطأت حريمكم، ولا أبحت حماكم فإذا كان غداً إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله، مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة، والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة، فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يقول:
يا إخوتا إن العجوز الناصحة ... قد أشربتنا إذ دعتنا البارحة
نصيحة ذات بيان واضحة ... فباكروا الحرب الضروس الكالحة
فإنما تلقون عند الصائحة ... من آل ساسان كلاباً نابحة
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة ... فأنتم بين حياة صالحة
أو ميتة تورث غنماً رابحة
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حدباً وعطفا
منها وبراً صادقاً ولطفاً ... فباكروا الحرب الضروس زحفا
حتى تكفوا آل كسرى كفا ... وتكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير عنهم ضعفا ... والقتل فيهم نجدة وعرفا
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
لست لخنساء ولا للأخزم ... ولا لعمرو ذي السناء الأقدم