عن عبد الواحد قال: قال عتبة الغم: خرجت من البصرة فإذا أنا بخباء أعراب قد زرعوا، وإذا أنا بخيمة، وفي الخيمة جارية مجنونة عليها جبة صوف عليها مكتوب: لا تباع ولا تشترى. فدنوت فسلمت عليها فلم ترد علي السلام، ثم وليت. فسمعتها تقول:
زهد الزاهدون والعابدونا ... إذ لمولاهم أجاعوا البطونا
أسهروا الأعين القريحة فيه ... فمضى ليلهم وهم ساهرونا
حيرتهم محبة الله حتى ... علم الناس أن فيهم جنونا
هم ألبا عقول ولكن ... قد شجاهم جميع ما يعرفونا
قال: فدنوت إليها فقلت: لمن الزرع؟ فقالت: لنا إن سلم، فتركتها وأتيت بعض الأخبية فأرخت السماء كأفواه القرب. فقلت: والله لآتينها فأنظر قصتها في هذا المطر، فإذا أنا بالزرع قد غرق وإذا هي قائمة وهي تقول: والذي أسكن قلبي من طرف صفاء مودة محبته إن قلبي ليوقن منك بالرضا. ثم التفتت إلي فقالت: يا هذا إنه زرعه فأنبته وأقامه فسنبله وركبه فشققه وأرسل عليه غيثاً متغطمطاً فسقاه، واطلع عليه فحفظه فلما دنا حصاده أهلكه. ثم رفعت رأسها نحو السماء فقالت: العباد عبادك، وأرزاقهم عليك، فاصنع ما شئت فقلت لها: كيف صبرك؟ فقالت: اسكت يا عتبة: