عبيد الله بن الخالق قال: سبى الروم نساء مسلمات، فبلغ الخبر الرقة وبها هارون الرشيد أمير المؤمنين، فقيل لمنصور بن عمار: لو اتخذت مجلساً بالقرب من أمير المؤمنين فحرضت الناس على الغزو، ففعل، فبينا هو يذكرهم ويحرض إذا نحن بخرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور، وإذا كتاب مضموم إلى الصرة ففك الكتاب فقرأه فإذا فيه: إني امرأة من أهل البيوتات من العرب، بلغني ما فعل الروم بالمسلمات، وسمعت تحريضك الناس على الغزو، وترغيبك في ذلك، فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهمنا ذؤابتاي فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة المختومة، وأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله، فعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال نظرة فيرحمني بها. قال: فبكى وأبكى الناس، وأمر هارون أن ينادى بالنفير، فغزا بنفسه فأنكى فيهم وفتح الله عليهم. قلت: هذه امرأة حسن قصدها وغلطت في فعلها، لأنها جهلت أن ما فعلت منهي عنه، فلينظر إلى قصدها.
٧٣٧ - عابدة أخرى
من أهل الشام نقل عنها مثل هذه.
بلغنا عن أبي قدامة الشامي قال: كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات، فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو ورغبتهم في الثواب، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها. ثم تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان. فمضيت ولم أجب. ما هكذا كان الصالحون، فوقفت، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية. فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها مكتوب: إنك دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن ما في، وهما ضفيرتاي وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي.
فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه وقلت: يا فتى غلام غر راجل ولا آمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا فقال: