إبراهيم بن منصور بن عمار قال: سمعت أبي يقول: قال لي رجل بالشام: يا أبا السري عندنا رجل من العباد من أهل واسط العراق لا يأكل إلا من كد يديه، وقد دبرت من سف الخوص صفحة يديه ولو رأيته لوقذك النظر إليه، فهل لك أن تمضي بنا إليه؟ قلت: نعم فأتيناه فدققنا عليه بابه فخرج إلى الباب فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عما أتلذذ به من مناجاتك، ثم فتح الباب فدخلنا فإذا رجل ترى به الآخرة، وإذا قبر محفور ووصيته قد كتبها في الحائط، وكساؤه قد أعده لكفنه. فقلت أي موقف لهذا الخلق؟ فقال: بين يدي من؟ قال: ثم صاح وخر لوجهه. ثم أفاق من غشيته فقال له صاحبي: يا أبا عباد هذا أبو السري منصور بن عمار، فقال لي: مرحباً يا أخي ما زلت إليك مشتاقاً. أعلمك أن بي داء قد أعيا المتطببين قبلك قديماً، فهل لك أن تتأتى له برفقك وتلصق عليه بعض مراهمك لعل الله أن ينفع بك؟.
قال: قلت: وكيف يعالج مثلي مثلك وجري أنغل من جرحك؟ قال: وإن كان كذلك فإني مشتاق إلى ذلك. قال: قلت: إن كنت تمسكت باحتفار قبرك في بيتك وبوصية رسمتها بعد وفاتك وبكفن أعددته ليوم موتك، فإن لله عز وجل عباداً اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قال: فصاح صيحة ووقع في قبره، وجعل يفحص برجليه، وبال فعرفت ذهاب عقله. فخرجت إلى طحان على بابه فقلت ادخل فأعنا على هذا الشيخ، فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته فقال لي الطحان: ويحك ما صنعت؟ فخرجت وتركته صريعاً، فلما كان الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه، وإذا بشريط قد شد به رأسه لصداع وجده. فلما رآني قال: يا أبا السري المعاودة رحمك الله، فقلت له: أين بلغت أيها المتعبد من أحزانك بالله؟ لكأني أنظر إلى آكل الفطير والصابر على خبز الشعير، يأكل ما اشتهى ويسعى عليه بلحم طير، ويسقى من الرحيق المختوم فشهق شهقة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا.