قال يحيى بن ايوب خرجت يوما إلى مقابر باب خراسان ثم جلست في موضع ارى منه من يدخل المقابر فنظرت إلى رجل دخل المقابر مقنعا فجعل يجول في المقابر كلما راى قبرا محفوراً أو منخسفاً وقف عليه وبكى.
فقمت رجاء ان انتفع به فلما صرت إليه إذا هو سعدون المعتوه وكان يكون في كوخ مقابر عبد الله بن مالك فقلت له يا سعدون أي شيء تصنع فقال يا يحيى هل لك في ان تجلس فنبكي على بلى هذه الابدان قبل ان تبلي فلا يبكي عليها باك ثم قال يا يحيى البكاء من القدوم على الله عز وجل اولى بنا من البكاء على بلى الابدان ثم قال يا يحيى {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ثم صاح صيحة شديدة وقال واغوثاه بالله مما يقابلني في الصحف قال يحيى فغشي علي فافقت وهو جالس يمسح وجهي بكمه وهو يقول يا يحيى من اشرف منك لو مت؟.
قال الفتح بن شخرف كان سعدون صاحب محبة لله صام ستين سنة حتى خف دماغه فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة فغاب عنا زمانا فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رايته عليه جبة صوف وعليها مكتوب لا تباع ولا تشترى فسمع كلام ذي النون فصرخ وانشا يقول:
ولا خير في شكوى إلى غير مشتكي ... ولا بد من سلوى إذا لم يكن صبر
احمد بن عبد الله بن ميمون قال سمعت ذا النون المصري يقول خرج الناس إلى الاستسقاء بالبصرة فخرجت فيمن خرج فبينا أنا مار بين الناس إذا بيدين قبضتا على رجلي فقلت من أنت خل عني فقال أنا سعدون المجنون اين تريد يا أبا الفيض قلت اريد المصلى ادعو الله تعالى فقال بقلب سماوي أو بقلب جاف فقلت بقلب سماوي قال انظر يا ذا النون لا تبهرج فان الناقد بصير وقال تدعو الله واؤمن على دعائك أو ادعو الله وتؤمن على دعائي فقلت تدعو أنت واؤمن عليه.
قال فصف قدميه ثم قال الهي بحق البارحة الا امطرتنا قال ذو النون لقد رأيت الغيوم قد ارتفعت عن اليمين والشمال حتى التقت فجاءنا المطر كافواه العزالي فقلت له: