أبو همام، إسرائيل بن محمد القاضي قال: كان بمهرجان قذق رجل يقال له سابق وكان معتوهاً ذاهب العقل قد توحش فكان مأواه الخربات والغياض والمقابر قال: وكنت أحب أن أكلمه وأسمع جوابه. فقيل لي يوماً: هو في المقابر. فقمت حافياً فدخلت المقابر فإذا أنا به منكس رأسه في قبر، فلم يعلم حتى سلمت فرفع رأسه فقال: وعليكم السلام.
قال: وهبته فانقطعت ولم أتكلم، فرأى ذلك في فقال: يا إسرائيل خف الله خوفاً لا يشغلك عن الرجاء فإنك إن ألزمت قلبك الرجاء شغلته عن الخوف، وفر إلى الله ولا تفر منه فإنه مدركك ولن تعجزه، ولا تطع المخلوق في معصية الخالق واعلم أن لله تعالى يوماً تشخص فيه القلوب والأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء.
قال: ثم قام فتخطى حائطاً ومضى في الخرابات فقلت للذي يحفر القبور: إذا جاء فأتني فأعلمني.
فمكث شهراً أو أكثر. قال: وأتاني الرجل فقال: قد دخل الساعة المقابر فقمت إليه في غير نعل ولا رداء، فلما بصر بي ولى وأسرعت فقلت: يا سابق لا أعود إليك بعد اليوم. فوقف فقلت: علمني كلمات أدعو بهن فقال: إن آخذ الكلام للقلوب ما جاء من القلوب وإن أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. ثم قال: قل اللهم اجعل نظري عبرة، وسكوتي فكرة، وكلامي ذكراً ثم ولى مسرعاً.