عن مسعر أن عابداً كان يتعبد في جبل، يؤتى بقوته كل يوم قرصين. قال سفيان: وقال غير مسعر: كان يأتيه طير أبيض. قال فأتاه ذات يوم بقوته فجاءه سائل فأعطاه أحد القرصين. ثم أتاه سائل آخر فكسر القرص الثاني نصفين فأعطاه النصف وبقي النصف لنفسه، ثم قال والله: ما هذا النصف بالذي يغني عن هذا شيئاً، ولا هذا النصف بالذي يكفيني، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان. فسلم القرص كله للسائل وبات طاوياً، فأتي في منامه فقيل له: سل. فقال: أسأل المغفرة. فقيل له: هذا شيء قد أعطيته فسل. قال أسأل أن يغاث الناس. قال: وكان عام جدب فأغيثوا.
٨٩٣ - عابد آخر على جبل
أبو الهيثم عن عبد الله بن غالب أنه حدثه قال: خرجت إلى الجزيرة فركبت السفينة فأرفت بنا إلى ناحية قرية عادية في سفح جبل خراب ليس فيها أحد. قال: فخرجت فطوفت في ذلك الخراب أتأمل آثارهم وما كانوا فيه إذ دخلت بيتاً يشبه أن يكون مأهولاً. قال فقلت: إن لهذا البيت لشأناً. قال: فرجعت إلى أصحابي فقلت: إن لي إليكم حاجة. قالوا: وما هي؟ قلت: تقيمون علي ليلة. قالوا: نعم. قال: فدخلت ذلك البيت، فقلت: إن يكن له أهل فسيأوون إليه إذا جاء الليل. فلما أن جاء الليل سمعت صوتاً قد انحط من رأس الجبل، يسبح الله ويحمده ويكبره. فلم يزل الصوت يدنو كذلك حتى دخل البيت. قال: ولم أر في ذلك البيت شيئاً إلا جرة ليس فيها شيء، ووعاء ليس فيه طعام. فصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم انصرف إلى ذلك الوعاء فأكل منه طعاماً، ثم حمد الله تعالى. ثم أتى تلك الجرة فشرب منها شراباً. ثم قام فصلى حتى أصبح.
فلما أصبح أقام الصلاة فصليت معه فقال: رحمك الله دخلت بيتي بغير إذني؟ قال: قلت رحمك الله لم أرد إلا الخير. وقلت: رأيتك أتيت هذا الوعاء فأكلت منه طعاماً وقد نظرت قبل ذلك فلم أر فيه شيئاً، وأتيت تلك الجرة فشربت منها شراباً وقد نظرت قبل ذلك فلم أر فيها