أبو سليمان المغربي قال: كنت أحمل الحطب من الجبل وأتقوت منه، وكان طريقي فيه التوقي والتحري، قال: فرأيت جماعة من البصريين في النوم، منهم الحسن ومالك بن دينار وفرقد السبخي، فسألتهم عن علم حالي فقلت: أنتم أئمة المسلمين دلوني على الحلال الذي ليس لله فيه تبعة ولا للخلق فيه منه، فأخذوا بيدي فأخرجوني من طرسوس إلى مرج فيه خبازي فقالوا لي: هذا الحلال الذي ليس لله عز وجل فيه تبعة ولا للمخلوق فيه منه. قال: فمكثت آكل منه نصف سنة، ثلاثة أشهر في دار السبيل، وكنت آكله نياً ومطبوخاً فصار لي حديث، فقلت: هذه فتنة. فخرجت من دار السبيل فكنت آكله ثلاثة أشهر أخر. فأوجدني الله عز وجل قلباً طيباً حتى قلت: إن كان أهل الجنة بهذا القلب الذي لي فهم والله في شيء طيب، وما كنت آنس بكلام الناس، فخرجت يوماً من باب قلمية إلى صهريج يعرف بالمدنف فجلست عنده فإذا أنا بفتى قد أقبل من ناحية لامش يريد طرسوس وقد بقي معي قطيعات من ثمن الحطب الذي كنت أجيء به من الجبل فقلت: أنا قد قنعت بهذا الخبازي، أعطي هذه القطع هذا الفقير إذا دخل طرسوس اشترى بها شيئاً وأكله، فلما دنا مني أدخلت يدي إلى جيبي حتى أخرج الخرقة فإذا أنا بالفقير قد حرك شفتيه وإذا كل ما حولي من الأرض ذهب يتقد حتى كاد يخطف بصري، ولبسني منه هيبة فجاز ولم أسلم عليه من هيبته. قال الشيخ أبو بكر: وزادني أبو الفرج بن أبان في هذه الحكاية قال: فقلت له: فرأيته بعد ذلك؟ فقال: نعم، خرجت يوماً خارج طرسوس إذا بالفتى جالس تحت برج من الأبرجة وبين يديه ركوة فيها ماء فسلمت عليه ثم استدعيت منه موعظة فمد رجله فقلب الماء، ثم قال لي: كثرة الكلام تنشف الحسنات كما أنشفت الأرض هذا الماء. قم يكفيك.
٨٠٨ - عابد آخر
علي بن الحسن بن موسى قال: قال رجل: لأمتحنن أهل البلاء. قال: فدخلت على رجل بطرسوس وقد أكلت الآكلة أطرافه. فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله وكل عرق