يوسف بن الحسين قال: كنت قاعداً بين يدي ذي النون وحوله ناس، وهو يتكلم عليهم، والناس يبكون، وشاب يضحك. فقال له ذو النون: ما لك أيها الشاب؟ الناس يبكون وأنت تضحك. فأنشأ يقول:
كلهم يعبدون من خوف نار ... ويرون النجاة حظاً جزيلا
ليس لي في الجنان والنار رأي ... أنا لا أبتغي بحبي بديلاً
فقيل له: فإذا طردك فماذا تفعل؟ فأنشأ يقول:
فإذا لم أجد من الحب وصلاً ... رمت في النار منزلاً ومقيلا
ثم أزعجت أهلها ببكائي ... بكرة في ضرامها وأصيلا
معشر المشركين نوحوا علي ... أنا عبد أحببت مولى جليلا
لم أكن في الذي ادعيت محقاً ... فجزاني به العذاب الطويلا
يوسف بن الحسين قال: كان شاب يحضر مجلس ذي النون بن إبراهيم المصري مدة. ثم انقطع عنه زماناً. ثم حضر عنده وقد اصفر لونه ونحل جسمه وظهرت آثار العبادة والاجتهاد عليه فقال ذي النون: يا فتى، ما الذي أكسبتك خدمة مولاك واجتهادك من المواهب التي منحك بها فوهبها لك واختصك بها؟ فقال الفتى: يا أستاد وهل رأيت عبداً اصطنعه مولاه من بين عبيده واصطفاه وأعطاه مفاتيح الخزائن ثم أسر إليه سراً أيحسن أن يفشي ذلك السر؟ ثم أنشأ يقول:
من شاوروه فأبدى السر مجتهداً ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
وباعدوه فلم يسعد بقربهم ... وأبدلوه من الإيناس إيحاشا
لا يصطفون مذيعاً بعض سرهم ... حاشا ودادهم من ذالكم حاشا