عبد الواحد بن زيد قال: خرجت إلى الشام في طلب العباد فجعلت أجد الرجل بعد الرجل شديد الاجتهاد حتى قال لي رجل: قد كان ها هنا رجل من النحو الذي تريد، ولكنا فقدنا من عقله، فلا ندري، يريد أن يحتجب من الناس بذلك أم هو شيء أصابه؟ قلت: وما أنكرتم منه؟ قال: إذا كلمه أحد قال: الوليد وعاتكة، لا يزيده عليه. قال: قلت فكيف لي به؟ قال: هذه مدرجته. فانتظرته فإذا برجل واله، كريه الوجه، كريه المنظر، وافر الشعر، متغير اللون وإذا الصبيان حوله وخلفه وهو ساكت يمشي، وهم خلفه سكوت يمشون وعليه أطمار دنسة. قال: فتقدمت إليه فسلمت عليه، فالتفت إلي فرد علي السلام. فقلت: يرحمك الله إني أريد أن أكلمك. فقال: الوليد وعاتكة. قلت: قد أخبرت بقصتك.
فقال الوليد وعاتكة، ثم مضى حتى دخل المسجد ورجع الصبيان الذين كانوا يتبعونه فاعتزل إلى سارية فركع فأطال الركوع ثم سجد، فدنوت منه فقلت: رحمك الله، رجل غريب يريد أن يكلمك ويسألك عن شيء، فإن شئت فأطل وإن شئت فأقصر، فلست ببارح حتى تكلمني. قال وهو في سجوده، يدعو ويتضرع، ففهمت عنه، وهو يقول: سترك سترك، قال: فأطال السجود حتى سئمت فدنوت منه فلم أسمع له نفساً ولا حركة. قال: فحركته فإذا هو ميت كأنه قد مات من دهر طويل.
قال فخرجت إلى صاحبي الذي دلني عليه فقلت: تعال فانظر إلى الذي زعمت أنك أنكرت من عقله. وقصصت عليه قصته. قال فهيأناه ودفناه.