أبو سليمان الداراني قال: مررت في جبل اللكام في جوف الليل فسمعت رجلاً يقول في دعائه: يا سيدي وأملي ومؤملي ومن به تم عملي أعوذ بك من بدن لا ينتصب بين يديك، وأعوذ بك من قلب لا يشتاق إليك، وأعوذ بك من دعاء لا يصل إليك، وأعوذ بك من عين لا تبكي عليك فعلمت أنه عارف فقلت له: يا فتى إن للعارفين مقامات، وللمشتاقين علامات. قال: وما هي؟ قلت: كتمان المصيبات، وصيانة الكرامات، فقال لي عظني. فقلت: اذهب فلا ترد الدنيا، واتخذ الفقر غنى، والبلاء من الله عز وجل شفاء، والتوكل معاشاً، والجوع جرفة، واتخذ الله لكل شدة عدة صعق صعقة فتركته.
٨٦٤ - عابد آخر
جعفر بن محمد سهل السامري قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا سائر في جبل اللكام مررت على واد كثير الأشجار والنبات. فبينا أنا واقف أتعجب من حسن زهرته ومن خضرة العشب في جنباته إذ سمعت صوتاً أهطل مدامعي وهيج بلابل حزني، فاتبعت الصوت حتى وقفني بباب مغار في سفح ذلك الوادي، فإذا الكلام يخرج من جوف المغار فاطلعت فيه فإذا أنا برجل من أهل التعبد والاجتهاد. فسعته يقول: سبحان من أخرج قلوب المشتاقين في رياض الطاعة بين يديه، سبحان من أوصل الفهم إلى عقول ذوي البصائر فهي لا تعتمد إلا عليه، سبحان من أورد حياض المودة نفوس أهل المحبة فهي لا تحن إلا إليه. ثم أمسك فقلت: السلام عليك يا حليف الأحزان وقرين الأشجان. فقال: وعليك السلام، ما الذي أوصلك إلي من قد أفرده خوف المسألة عن الأنام، واشتغل بمحاسبة نفسه من التنطع في الكلام؟ قلت: أوصلني إليك الرغبة في التصفح والاعتبار. فقال: يا فتى إن لله عز وجل عباداً قدح في قلوبهم زندا الشغف نار الومق فأرواحهم لشدة الاشتياق تسرح في الملكوت، وتنظر إلى ما ذخر لها في حجب الجبروت. قلت: صفهم لي. قال: أولئك قوم آووا إلى كنف رحمته. ثم قال: يا سيدي بهم فألحقني. ولأعمالهم فوفقني. قلت: ألا توصيني