أبو الحسن الفارسي قال: بلغنا أن رجلاً من أصحاب ذي النون أصيب بعقله فكان يطوف ويقول: آه أين قلبي؟ أين قلبي؟ من وجد قلبي؟ من وجد قلبي؟ والصبيان قد أولعوا به يرمونه من كل جانب.
فقضي أنه دخل يوماً بعض سكك مصر وقد هرب من الصبيان فجلس يستريح ساعة إذ سمع بكاء صبي تضربه والدته ثم أخرجته من الدار وأغلقت دونه الباب. فجعل الصبي يلتفت يميناً وشمالاً لا يدري أين يذهب؟ وإلى أين يقصد؟ فلما سكن ما به عاد ناكصاً على عقبيه حتى رجع إلى باب دار والدته فوضع رأسه على عتبة الدار فذهب به النوم. ثم انتبه فجعل يبكي ويقول: يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك؟ ومن يدنيني من نفسه إذا طردتني من نفسك؟ ومن الذي يربيني بعد أن غضبت علي؟
قال: فرحمته أمه فقامت فنظرت من خلل الباب فوجدت ولدها تجري الدموع على خديه متمعكاً في التراب. ففتحت الباب وأخذته حتى وضعته في حجرها وجعلت تقبله وتقول: يا قرة عيني ويا عزيز نفسي، أنت الذي حملتني على نفسك، وأنت الذي تعرضت لما حل بك، لو كنت أطعتني لم تلق مني مكروهاً.
قال: فتواجد الفتى وصاح حتى اجتمع عليه الخلق فقالوا: ما الذي أصابك؟ فقال: قد وجدت قلبي، قد وجدت قلبي. فلما بصر بذي النون قال: يا أبا الفيض قد وجدت قلبي في سكة كذا وكذا عند فلانة. وسماها. ثم لم يزل إذا تواجد يقول ذلك.