محمد بن أحمد بن سلمة قال: حدثني سالم قال: بينا أنا سائر مع ذي النون في جبل لبنان إذا قال لي: مكانك يا سالم حتى أعود إليك. فغاب عني في الجبل ثلاثة أيام وأنا أنتظره، إذا هاجت علي النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من ماء الغدران، فلما كان بعد الثالث رجع إلي متغير اللون ذاهب العقل، فقلت له بعد أن رجعت إليه نفسه: يا أبا الفيض أسبع عارضك؟ فقال: لا. دعني من تخويف البشرية، إني دخلت كهفاً من كهوف هذا الجبل فرأيت رجلاً أبيض الرأس واللحية أشعث أغبر نحيفاً نحيلاً كأنما أخرج من قبره، ذا منظر مهول وهو يصلي، فسلمت عليه بعد ما سلم. فرد علي السلام وقام إلى الصلاة فما زال راكعاً وساجداً حتى صلى العصر واستند إلى حجر حذاء المحراب يسبح، لا يكلمني. فبدأته بالكلام فقلت له: رحمك الله توصيني بشيء، ادع الله عز وجل لي بدعوة؟ فقال: يا بني آنسك الله تعالى بقربه. ثم سكت. فقلت: زدني. فقال: يا بني من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال: عزاً من غير عشيرة، وعلماً من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنساً من غير جماعة.
ثم شهق شهقة فلم يفق إلا بعد ثلاثة أيام حتى توهمت أنه ميت، فلما كان بعد ثلاثة أيام قام فتوضأ من عين ماء إلى جنب الكهف وقال لي: يا بني كم فاتني من الفرائض؟ صلاة أو صلاتان أو ثلاث؟ قلت: قد فاتتك صلاة ثلاثة أيام بلياليهن فقال:
إن ذكر الحبيب هيج شوقي ... ثم حب الحبيب أذهب عقلي
وقد استوحشت من ملاقاة المخلوقين، وقد أنست بذكر رب العالمين، انصرف عني بسلام. فقلت له: يرحمك الله وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيادة. وبكيت فقال: أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلاً، فالمحبون لله تعالى هم تيجان العباد وعلم الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه.
ثم صرخ صرخة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا. فما كان إلا هنية وإذا بجماعة من العباد منحدرين من الجبل حتى واروه تحت التراب. فسألت: ما اسم هذا الشيخ؟ قالوا: شيبان المصاب. قال سالم: فسألت أهل الشام عنه فقالوا: كان مجنوناً خرج من أذى الصبيان،