قال بشر بن الحارث: كنت ماراً في جبال الشام فأتيت على رجل يقال له الأقرع، فإذا أنا بشاب قد نحل جسمه ورق جلده، وعليه ثوب من صوف، فسلمت عليه فرد علي. فقلت في نفسي: أقول له عظني وأبلغ. فقال لي قبل أن أكلمه فأجاب عن سري: عظ نفسك بنفسك، وفك نفسك من حبسك، ولا تشتغل بموعظة غيرك من جنسك، واذكر الله في الخلوات يقك السيئات، وعليك بالجد والاجتهاد. ثم بكى وجعل يقول: شغلت النفوس بالقليل الفاني ونحبت الأبدان بالتسويف والأماني. ثم قال: يا بشر، وما رآني وما عرفني قبل ذلك، إن لله عباداً خالط قلوبهم الحزن، فأسهر ليلهم وأظمأ نهارهم، وأبكى عيونهم، كما وصفهم ربهم في كتابه:{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الذاريات.