العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قال: حدثني أبي عن ابن نمير قال: كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير، وكان من نساك أهل الكوفة وقد سمع سماعاً حسناً، وكان حسن الطهور حسن الصلاة، يراعي الشمس للزوال. قال: فعرض له فذهب عقله فكان لا يأويه سقف بيت: إذا كان بالنهار فهو بالجبانة وإذا كان بالليل ففي السطح قائماً على رجليه في البرد والمطر والريح، فنزل يوماً مبكراً يريد المقابر فقلت: يا نمير تنام؟ قال: لا. قلت: أي شيء العلة التي تمنعك من النوم؟ قال: هذا البلاء الذي تراه. فقلت: يا نمير أما تخاف الله عز وجل؟ قال: بلى. وقال: أليس يقال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؟ قال: قلت له: أنت أعلم مني. قال: كلا ومضى، قال: وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم في السطح وأمه قائمة تبكي فقلت: يا نمير بقي منك شيء لم تنكره؟ قال: نعم. قلت ما هو؟ قال: حب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال: وصعدت إليه ليلة في رمضان فقلت له: يا نمير لم أفطر. قال: ولم؟ قلت: أحب أن تراك أختي تأكل معي. قال: أفعل. قال: فأصعد إلينا طعام، فجعل يأكل معي حتى فرغت وفرغ. فلما أردت أن أقوم رحمته من أن يراني مولياً وهو في الظلمة والريح فبكيت فقال: ما يبكيك رحمك الله؟ قلت: أنزل إلى الكن والضوء وأدعك في الظلمة والبرد؟ فغضب وقال لي: إن لي رباً هو أرحم بي منك وأعلم بما يصلحني فدعه يصرفني كيف يشاء، فإني لا أتهمه في قضائه. فقلت له لئن كنت في ظلمة الليل إن جدك في ظلمة اللحد، أريد أن أعزيه وأطيب نفسه. فقال لي ما جعل روح رجل صالح مثل روح رجل متلوث. ثم قال لي: أتاني البارحة أبي وأبوك عبد الله بن نمير فوقف ثم أشار إلى موضع كان أبي يصلي فيه فقال لي: يا نمير أما إنك ستأتينا يوم الجمعة شهيداً.
قال: فدعوت أمه فصعدت إلي فأخبرتها بما قال: فقالت: والله ما جربت عليه كذباً وما هذا مما كان يتكلم به وما قال إلا حقاً. قال: وقال هذه المقالة عشية الأربعاء. فجعلنا نتعجب ونقول غداً الخميس وبعد غد الجمعة، فهبه مرض غداً ومات بعد غد فأين الشهادة؟.