عمرو بن حفص بن غياث، عن أبيه قال: كنا ذات يوم عند ابن ذر وهو يتكلم فذكر رواجف القيامة وزلزالها. فوثب رجل من بني عجل، يقال له وراد، فجعل يبكي ويصرخ ويضطرب فحمل من بين القوم صريعاً: فقال ابن ذر: ما الذي قصر بنا وكلم قلبه حتى أبكاه؟ والله إن هذا يا أخا بني عجل إلا من صفاء قلبك وتراكم الذنوب على قلوبنا.
قال عمر: قال أبي: وكنت أرى وراداً هذا العجلي يأتي إلى المسجد مقنع الرأس فيعتزل ناحية فلا يزال مصلياً وباكياً وداعياً ما شاء الله من النهار ثم يخرج فيعود فيصلي الظهر، فهو كذلك بين صلاة وبكاء حتى يصلي العشاء ثم يخرج لا يكلم أحداً ولا يجلس إلى أحد، فسألت عنه رجلاً من حيه ووصفته له قلت: شاب من صفته، من هيئته. فقال: بخ يا أبا عمر، أتدري عمن تسأل؟ ذاك وراد العجلي، ذاك الذي عاهد الله ألا يضحك حتى ينظر إلى وجه رب العالمين. قال أبي: وكنت إذا رأيته بعد هبته.
قال عمر: وحدثني سكين بن مسكين، رجل من بني عجل، قال: كان بيننا وبين ورادقرابة، فسألت أختاً كانت له أصغر منه فقلت: كيف كان ليله؟ قالت: يبكي عامة الليل ويصرخ. قلت: فما كان طعمه؟ قالت: قرصاً في أول الليل وقرصاً في آخره، عند السحر. قلت: فتحفظين من دعائه شيئاً؟ قالت: نعم، كان إذا كان السحر أو قريب من طلوع الفجر سجد ثم بكى ثم قال: مولاي عبدك يحب الاتصال بطاعتك فأعنه عليها بتوفيقك يا أيها المنال، مولاي عبدك يحب اجتناب سخطك فأعنه على ذلك بمنك أيها المنان، مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح الفائزون.
قالت: فلا يزال على هذا ونحوه حتى يصبح.
قال: وكان قد كل من الاجتهاد جداً وتغير لونه.
قال سكين: فلما مات وراد فحمل إلى حفرته نزلوا إليه ليدفنوه في حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان، فأخذ بعض القوم الذين نزلوا إلى القبر من ذلك الريحان شيئاً فمكث سبعين يوماً طرياً لا يتغير. يغدو الناس ويروحون وينظرون إليه: قال: فكثر الناس من ذلك حتى خاف