سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون قال: بينا أنا سائر في بلاد المغرب إذا أنا برجل على عريش من البلوط وعنده عين ماء تجري فأقمت عليه يوماً وليلة أريد أن أسمع كلامه. فأشرف علي بوجهه، فسمعته يقول: شهد قلبي لله بالنوازل، وكيف لا يشهد قلبي بذلك؟ هيهات هيهات لقد خاب لديك المقصرون، سيدي ما أحلى ذكرك، أليس قصدك مؤملوك فنالوا ما أملوا، وجدت لهم بالزيادة على ما طلبوا؟ فقلت له: يا حبيبي إني مقيم عليك منذ يوم وليلة أريد أن أسمع كلامك. فقال لي: قد رأيتك يا بطال حين أقبلت، ولكن ما ذهب روعك من قلبي إلى الآن. فقلت له: ولم ذلك؟ وما الذي أفزعك مني فقال: بطالتك يوم عملك وتركك الزاد ليوم معادك، ومقامك على المظنون. فقلت له: يا حبيبي ما ها هنا فتية تستأنس بهم، فقال: بلى، ها هنا فتية متفرقون في رؤوس الجبال. قلت: فما طعامهم في هذا المكان؟ قال: أكلهم الفلق من خبز البلوط، ولباسهم الخرق من الثياب، قد يئسوا من الدنيا ويئست الدنيا منهم، أعطوا المجهود من أنفسهم، فلما دبرت المفاصل من الركوع وقرحت الجباه من السجود وتغيرت الألوان من السفر ضجوا إلى الله عز وجل بالاستغاثة.
٨٦٠ - عابد آخر
يوسف بن الحسين قال: قال ذو النون، وصف لي رجل بالمغرب وذكر لي من حكمته وكلامه ما حملني على لقائه، فرحلت إليه إلى المغرب فأقمت على بابه أربعين صباحاً على أن يخرج من منزله إلى المسجد ويقعد، فكان يخرج وقت كل صلاة يصلي، ويرجع كالواله لا يكلم أحداً فقلت له يوماً: يا هذا إني مقيم ها هنا منذ أربعين صباحاً لا أراك تكلمني. فقال لي: يا هذا لساني سبع إن أطلقته أكلني. فقلت له: عظني رحمك الله بموعظة أحفظها عنك. قال: وتفعل؟ قلت: نعم إن شاء الله، قال: لا تحب الدنيا وعد الفقر والغنى والبلاء من الله نعمة، والمنع من الله عطاء، والوحدة مع الله أنساً، والذل عزاً والطاعة حرفة والتوكل معاشاً والله تعالى لكل شديدة عدة.