ثم مكث بعد ذلك شهراً لا يكلمني، فقلت له: رحمك الله إني أريد الرجوع إلى بلدي فإن رأيت أن تزيدني في الموعظة فقال: اعلم أن الزاهد في الدنيا قوته ما وجد ومسكنه حيث أدرك ولباسه ما ستر الخلوة مجلسه، والقرآن حديثه، والله الجبار العزيز أنيسه والذكر رفيقه، والصمت جنته، والخوف سجيته، والشوق مطيته، والنصيحة نهمته والصبر وساده، والصديقون إخوانه والحكمة كلامه، والعقل دليله، والجوع أدمه والبكاء دأبه، والله عز وجل عدته. قلت بما تتبين الزيادة من النقصان؟ قال: عند المحاسبة للنفوس.
٨٦١ - عابدة من أهل إفريقية
محمد بن حفص قال: مررت على أخ لي من أهل مصر ونحن بالثغر، فأخرج إلي شكالاً. فقال: انظر من أي شيء هذا الشكال؟ فنظرت فإذا شكال من شعر، كأنه من صفائه وشدة سواده قد دهن بالدهن. فقلت: هذا عندي من أعراف الخيل العتاق الكرام. فقال: لا. والله، ولكنه من شعر امرأة من أهل إفريقية جعلت منه شكالاً، ثم أرسلت به إلي فقالت: اجعله شكال فرس غاز في سبيل الله عز وجل فإني طالما تمتعت به في غير طاعة الله قلت: إنما ينظر إلى ذل هذه المرأة لله تعالى وقصدها لا إلى صورة فعلها لأنها جهلت أن هذا الفعل لا يجوز.