[ذكر المصطفين من العباد الذين لم يعرف لهم مستقر وإنما لقوا في أماكن]
ذكر المصطفين ممن لقي منهم في طريق مكة:
٩٤٧ - عابد
أبو يوسف عبيد الله بن أبي نوح، وكان من العابدين، قال: صحبت شيخاً في بعض طريق مكة فأعجبتني هيئته. فقلت: إني أحب أن أصحبك. قال: أنت وما أحببت. قال: فكان يمشي بالنهار فإذا أمسى أقام في منزل كان أو غيره، قال: فيقوم الليل يصلي، وكان يصوم في شد ذلك الحر فإذا أمسى عمد إلى جريب معه فأخرج منه شيئاً فألقاه إلى فيه مرتين أو ثلاثاً. وكان يدعوني فيقول هلم فأصب من هذا فأقول في نفسي والله ما هذا بمجزيك أنت، فكيف أشركك فيه؟ فلم يزل على ذلك ودخلت له في قلبي هيبة عندما رأيت من اجتهاده وصبره. قال: فبينا نحن في بعض المنازل إذ نظر إلى رجل يسوق حماراً فقال لي: انطلق فاشتر ذلك الحمار، فانطلقت وأنا أقول في نفسي: والله ما معي ثمنه ولا أعلم معه ثمنه فكيف أشتريه؟ قال: فأتيت صاحب الحمار فساومته به فأبى أن ينقصه من ثلاثين ديناراً، قال: فجئت إليه وقلت: قد أبى أن ينقصه من ثلاثين ديناراً قال خذه. واستخر الله قلت: الثمن؟ قال: سم الله ثم أدخل يدك في الجراب فخذ الثمن فأعطه. قال: فأخذت الجراب ثم قلت: بسم الله وأدخلت يدي فيه فإذا صرة فيها ثلاثون ديناراً لا تزيد ولا تنقص. قال: فدفعتها إلى الرجل وأخذت الحمار وجئت به فقال لي: اركب فقلت له: أنت أضعف مني فاركب أنت. قال فلم يرادني الكلام، وركب فكنت أمشي مع حماره فحيث أدركه الليل أقام. فإنما هو راكع وساجد حتى أتينا عسفان، فلقيه شيخ فسلم عليه ثم خلوا فجعلا يبكيان. فلما أراد أن يتفرقا قال صاحبي للشيخ: أوصني، قال: نعم، ألزم التقوى قلبك وانصب دكر المعاد أمامك. قال: زدني. قال: استقبل الآخرة بالحسنى من عملك، وباشر عوارض الدنيا بالزهد من قلبك، واعلم أن الأكياس هم الذين عرفوا عيب الدنيا حين عمي على أهلها والسلام عليكم ورحمة الله. قال: ثم افترقا فقلت لصاحبي: من هذا الشيخ رحمك الله، فما رأيت أحسن كلاماً منه؟ فقال: عبد من عبيد الله. قال فخرجنا من عسفان حتى أتينا مكة فلما انتهينا إلى الأبطح نزل