عن جابر بن عبد الله الأنصاري، فيما يذكر من اجتهاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فغشينا داراً من دور المشركين، فأصبنا امرأة رجل منهم. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً وجاء صاحبها وكان غائباً، فذُكر له مصابُها فحلف لا يرجع حتى يُهريق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دماً،
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، نزل في شِعب من الشعاب، وقال: مَن رجلان يكلآننا في ليلتنا هذه من عدوِّنا؟ قال: فقال رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار: نحن نكلؤك يا رسول الله. قال: فخرجا إلى فم الشعب دون العسكر.
ثم قال الأنصاري للمهاجري: أتكفيني أول الليل وأكفيك آخرَه أو تكفيني آخره وأكفيك أوَّله؟ قال: فقال له المهاجري: بل أكفني أوَّله وأكفيك آخره.
فنام المهاجريّ وقام الأنصاريّ يصلي. قال: فافتتح سورة من القرآن، فبينا هو فيها يقرؤها جاء زوج المرأة فلما رأى الرجل قائماً عرف أنه ربيئةُ القوم، فينزع له بسهم فيضعه فيه. قال: فينتزعه فيضعه وهو قائم يقرأ في السورة التي هو فيها ولم يتحرك كراهية أن يقطعها (قال) : ثم عاد له زوج المرأة بسهم آخر فوضعه فيه. قال: فانتزعه فوضعه وهو قائم يصلّي في السورة التي هو فيها ولم يتحرك كراهية أن يقطعها. ثم عادَ له زوج المرأة الثالثة بسهم فوضعه فيه. قال: فانتزعه فوضعه ثم ركع وسجد. ثم قال لصاحبه: اقعد فقد أُتيت. قال: فجلس المهاجري فلما رآهما صاحب المرأة هرب وعرف أنه قد نُذِرَ به. قال: وإذا الأنصاري يفوح دماً من رَميات صاحب المرأة. قال: فقال له أخوه المهاجري: يغفر الله لك ألا كنت آذنتني أوّلَ ما رماك؟ قال: كنت في سورة من القرآن قد افتتحتُها بها فكرهت أن أقطعها، وايمُ الله لولا أني أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها.